القدس المحتلة-سانا
ترك محمد العواودة 26 عاماً طفلته الصغيرة عبير التي لم تتجاوز من العمر ثلاثة أعوام بعد أن قبلها بلهفة على جبينها.. ولا يعرف أن قبلته تلك ستكون آخر قبلة لها.. وسيفارقها للأبد شهيداً من أجل فلسطين المحتلة.
توجه كعادته إلى المنطقة الشرقية من مخيم البريج وسط قطاع غزة مساء الجمعة ليشارك الجماهير الفلسطينية في مسيرات الغضب الرافضة للحصار والعدوان الإسرائيلي والتي أطلق عليها “جمعة انتفاضة الأقصى”.. ولا يحمل معه سوى العزيمة والإصرار على مواجهة هذا المحتل الذي يقتل ويحاصر الشعب الفلسطيني.
شق الشاب العواودة صفوف آلاف المشاركين في مسيرات العودة بصدره العاري كما المشاركون في تلك المسيرة.. ليكون في أقرب نقطة من الاحتلال.. لم تمهل قوات الاحتلال تلك المسيرات الوقت وأطلقت نيرانها وقنابلها الغازية السامة بكثافة صوب الصدور العارية من نساء وأطفال وشباب عزل.. فهم عزل يتسلحون بحب فلسطين والدفاع عنها.. فسقط العشرات منهم بين شهيد وجريح.
ويقول رمضان العواودة ابن عم الشهيد لمراسل سانا “كان محمد في اللحظات الأخيرة قبل استشهاده لا يحمل سوى علم فلسطين.. حاصر الاحتلال المسيرة السلمية بالرصاص والقنابل الغازية فسقط المئات بين شهيد ومصاب.. المشهد كان مرعباً حاولت أن أبحث عن محمد بين الجرحى والشهداء الذين سقطوا بعد أن توقف إطلاق الرصاص لدقائق.. فوجدت محمدا يصرخ فتوجهت إليه مسرعاً وطلبت الإسعاف بعد أن استقرت عدة رصاصات في صدره”.
وأضاف: “كنت مذهولاً.. الصراخ يعلو في المكان من كم الإصابات التي وقعت.. وكان كل ما أصبو إليه أنا ومجموعة من الشبان الذين تجمهروا في المكان رغم خطورة الموقف هو نقل محمد بسيارة إسعاف لإنقاذ حياته.. فسيارات الإسعاف تتحرك بصعوبة في المنطقة لغزارة نيران الاحتلال.. وضعت يدي على صدر محمد لأوقف النزيف.. لكن لم أنجح فالدماء تسيل بغزارة.. عرفت حينها أن محمدا سيفارق الحياة شهيداً لخطورة إصابته وكمية الدماء التي فقدها”.
وأشار العواودة إلى أنه تم نقل محمد إلى وحدة العناية المركزة في مستشفى الشفاء في محاولة لإنقاذ حياته.. لكنه فارق الحياة شهيداً وترك عبير وحيدة.. وسالت الدموع من عينيه ولم يستطع أن يكمل حديثه…لم يتوقف الأمر عند هذا الحد.. فالمشهد كان مؤلماً على الطفلة عبير.. هي لا تعرف أنها حين قبلت والدها عند وداعه لن تراه بعد اليوم وستعيش يتيمة دون أب كما والدها الشهيد الذي استشهد والده وهو صغير برصاص الاحتلال شرق مخيم البريج قبل 23 عاماً.
قصة الشهيد محمد العواودة واحدة من آلاف قصص شهداء فلسطين المحتلة الذين وهبوا دماءهم لفلسطين والقدس ومقارعة هذا الاحتلال الذي يقتل الفلسطينيين ويصادر أرضهم في حين أن المجتمع الدولي صامت عن هذه الجرائم.
محمد العواودة واحد من سبعة شهداء قضوا أمس برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال قمعها مسيرة “جمعة انتفاضة الأقصى” التي أصيب فيها أكثر من 500 فلسطيني ضمن مسيرات العودة التي انطلقت في الثلاثين من آذار الماضي واستشهد فيها 193 فلسطينياً وأصيب أكثر من 20 ألفا آخرين وسط تأكيد فلسطيني على أن تلك المسيرات لن تتوقف حتى يرفع الحصار عن قطاع غزة.
محمد أبو شباب