الشريط الإخباري

مهرجان”انترادوس..رسائل وطن” ينطق بالحياة رقصاًوتراثاً

طرطوس-سانا

تجاوز مهرجان انترادوس كونه مجرد حدث سياحي خاص بمحافظة طرطوس إلى تعبيره عن سورية كلها بتراثها المتنوع بين منطقة وأخرى في ظرف صعب غابت فيه قسراً أفراح المهرجانات السياحية والثقافية في معظم المحافظات لتبدو فعاليات انترادوس وكأنها تتلو للعالم آلام وآمال الوطن على شكل رسائل تحمل إرادة الحياة والعودة والنهوض من جديد والوفاء لإرث الآباء والأجداد ثقافياً وفنياً في كل بقعة سورية.

وعلى هذا الأساس جاء عنوان المهرجان انترادوس .. رسائل وطن ليذكر بالتسمية الفينيقية لطرطوس وكان الاستقطاب الأكبر في الحوارية الغنائية التي قدمتها فرقة جلنار للمسرح الغنائي في افتتاح المهرجان بالتعاون مع شبيبة طرطوس وكشافتها وكورال عتبات والتي حملت عنوان انترادوس والتاريخ فأبرزت الجذور الضاربة لطرطوس في عمق التاريخ وعطاءها الحضاري والثقافي على امتداد العصور.

ويوضح مدير الفرقة المخرج علي حمدان أن الحوارية التي عرضت على الكورنيش البحري لمدينة طرطوس تضمنت عدة رسائل أولها موجهة إلى الشباب السوري الذين يمثلون الأمل الأكبر في الخلاص والوعي وإعادة الإعمار وثانيها إلى الجيش العربي السوري بتأكيد وقوف الشعب معه وثالثها إلى الشهداء وذويهم بأن الشعب السوري لن ينسى دماءهم لأنهم سبب صمود سورية ومكانتها كبلد مثال للتآخي والذي يضحي أبناؤه من أجله على اختلاف فئاتهم إضافة إلى رسائل عديدة موجهة للمغتربين بأن الوطن يحتاجهم اليوم أكثر من أي وقت .

ويرى الفنان يوسف المقبل بطل العرض أن الرسالة الأهم من داخل سورية إلى خارجها حيث العالم الذي يتصور سورية بلداً منكوباً مقفراً لا مكان فيه إلا للمعاناة في حين أن أبناءه يريدون الخلاص والحياة ويعلون الصوت بالأغاني والقصائد ليؤكدوا وجودهم واستمرارهم مبيناً أن الرسالة إلى الخارج تشمل كل سوري غادر بلده وتدعوه إلى العودة والمشاركة في الأمل والحلم والغناء وإعادة البناء.

وفي حديقة متحف طرطوس بدا عرض أزياء فرقة جلنار التي تحاكي مختلف العصور واحداً من العروض التي أبدى الزوار إعجاباً كبيراً بها حيث تنوعت الأزياء لتمثل العديد من الدول بلباسها وموسيقاها فعادوا بالجمهور إلى العهود الفينيقية والرومانية والآرامية وزمن العصور الأموية والعباسية والأندلسية والأزياء
الفولكلورية من أوروبا وآسيا لتحضر في حديقة المتحف ملامح من حضارات وشعوب إسبانيا والهند والصين وفرنسا وبريطانيا بأزياء تحاكي الأفلام الكلاسيكية التي يعشقها كثير من السوريين مرورا بأزياء معاصرة عربية وغربية بدت أقرب إلى الضخامة والمبالغة لإبهار الزوار وإضفاء جو فانتازي انتهاءً بأزياء الساحل السوري التقليدي للرجال والنساء والألبسة التراثية من مختلف المحافظات السورية.

ويشير عضو فرقة جلنار فادي ساميز إلى أن الأزياء تمثل حصيلة العروض المتنوعة منذ تأسيس الفرقة عام 1997 معرباً عن اعتزازه بمصممي الأزياء السوريين الذين طالما أحسنوا التسويق لصناعة النسيج السوري وجودتها وقدرتها على التواصل مع مختلف الأذواق شرقاً وغرباً والتجديد عليها بما يخدم الفكرة المسرحية والذائقة العامة.

بدوره يخرج أحمد الطير عن أسلوب العرض التقليدي للمولوية باختيار تنورة زرقاء انسجاماً مع جو العرض الفانتازي ويستكمله بباقي أجزاء اللباس وهي الكفن والحزام حول الخصر كدلالة على الصبر على الجوع إضافة إلى الكلاه أو الطربوش المصنوع من وبر الجمل مشيراً إلى تجذر هذه الرقصة الصوفية في التراث الشرقي ولاسيما في دمشق وحلب لما تحمله من معان روحية تتمثل في الدوران باتجاه اليسار أي نحو القلب وارتفاع اليد في حركة الدعاء وانخفاض اليد الأخرى للإشارة إلى الزهد بالدنيا.

وتناثرت في عدة أماكن من حديقة متحف طرطوس أعمال النحاتين والفنانين الحرفيين الأكثر ارتباطاً بتاريخ المدينة وتراثها والذين ارتدوا الأزياء الفينيقية والساحلية التراثية تناغماً مع أجواء المهرجان ومنهم النحات علي بهاء الدين معلا بسفنه الفينيقية المتقنة والنحات حسن عزيز محمد بأعماله المشكلة من الحجر الرملي الذي استخدمه الفينيقيون لبناء طرطوس القديمة حيث جسد في منحوتاته أيضاً السفينة الفينيقية وآثار عمريت إضافة إلى منحوتة الأفعى مشيراً إلى حرصه على تقديم لمحة عن عراقة تراث سورية باعتبارها مصدرة الأبجدية وصناعة السفن منذ فجر التاريخ.

وإلى جانب ركن الفنانة روجيه ابراهيم المتميز باللوحات المصنوعة من شرانق دودة القز يتألق ركن الفنانة الحرفية فتاة منصور بلوحاتها المحفورة على الفضة كالمرايا والصناديق والإكسسوارات وهو فن نادر يزيد من قيمة العمل ووزنه بحسب ما توضح منصور التي أدخلت الطابع الشرقي إلى أعمالها من خلال حفر الأبواب الدمشقية القديمة وتعتيق الصناديق الفضية وتزيينها بالأحجار القديمة لافتة إلى ضرورة الاهتمام بهذه الحرف اليدوية كدليل على عراقة التراث السوري وأصالته وإظهاره من خلال هذه المهرجانات لحفظ حرف الأجداد للأحفاد وللسياح.

وكما الفنون البصرية التراثية حضرت الموسيقا والغناء في مختلف مسارح المهرجان بدءاً من الكورنيش والمركز الثقافي لمدينة طرطوس وصولاً إلى المتحف حيث تألقت فرق جلنار وعتبات وجوقة الفرح الدمشقية بأغان لامست الوجدان الوطني وأحيت أجواء من الطرب يحن إليها الجمهور السوري.

أما جوقة الفرح الدمشقية التابعة لكنيسة سيدة دمشق للروم الكاثوليك فقدمت تحت قبة المتحف إحدى عشرة أغنية منها راحت أيام ومابدنا نموت وسورية ترابي وبلادي حيث يشير المدير الإداري للفرقة التطوعية فادي عبيد إلى أهمية المهرجان لإيصال ترنيم سورية وصوتها القوي المستمد من محبة أبناء شعبها لبعضهم وتضحيات شهدائها مشيراً إلى أن سورية هي التي سترسم الشرق الأوسط الجديد وسيكون شرق المحبة والتسامح والتعددية.

وكان من رسائل الوطن رسالة من طرطوس إلى قاسيون قرأها الشاعر حسن ابراهيم كقصيدة تختصر مشاعر السوريين الشرفاء الناظرين كل يوم إلى دمشق كرمز للصمود يستمدون منه العزيمة في مواجهة طعنات الغدر فيما بحر طرطوس يرسل من هوائه إلى قاسيون منعشاً بردى ومعيداً له زهو تلاوينه.

من جانبها تقترب الشاعرة لينا غزالة بقصائدها باللهجة المحكية من قلوب جمهور انترادوس محاولة بث الأمل في جيل الأزمة بروح من التحدي والطفولة في آن مؤكدة أن طرطوس تبقى وجهاً مضيئاً في الجسم الثقافي السوري مهما حاول المجرمون انهاكه والنيل منه بثقافة الموت.

وكان لجمهور الرقص الحديث موعد مع عرض راقص بطريقة بريك دانس لفرقة مواهب وأفكار في مسرح المركز الثقافي بقيادة أحمد سويقات الذي أعرب عن سعادته بالمشاركة في مهرجان انترادوس كفرصة للتعريف بالفرقة وجذب الشباب المهتمين بمتابعة هذا الأسلوب الذي يعد جزءاً من ثقافة الهيب هوب ومن أصعب وأخطر أنواع الرقص بما يحتاجه من مهارات عضلية ولياقة مشيراً إلى أن الفرقة تتجه لتطوير أدائها عبر أعضائها المتمرسين في الرقص التعبيري والجمباز والذين تتراوح أعمارهم بين ال15 و ال 25 عاماًَ.

وشكل المهرجان الذي أقامته وزارة السياحة بمناسبة يوم السياحة العالمي فرصة للقاء الفعاليات العاملة في القطاع السياحي واستعراض مشكلاته في طرطوس والأسباب التي تحول دون القدرة على الاستثمار الأمثل في محافظة غنية طبيعياً وبيئياً فضلاً عما تتمتع به في الوقت الراهن من مناخ آمن وبنى تحتية صالحة إلا أن الورشة التي مثلت الجانب العملي في المهرجان لم تستقطب العدد المأمول من الفعاليات السياحية.

وتمنى المهندس بسام عباس معاون مديرة السياحة بطرطوس أن يكون المهرجان نقطة انطلاق لحل معوقات الاستثمار السياحي في المحافظة التي تتمتع بموقع جغرافي يجعلها صلة وصل بين ثلاث محافظات متميزة طبيعياً عدا كونها مرفأ بحرياً تقابله أرواد الجزيرة الوحيدة المأهولة في سورية إلى جانب الطبيعة المتنوعة
بين الساحل والسهل والجبل ووفرة الآثار في جميع مناطق المحافظة.

ويحصي عباس خمسة محاور سياحية في طرطوس واعدة تتفاوت فيما بينها في درجة الاستثمار أولها محور طرطوس-بانياس-القدموس المليء في جزء منه بالمجمعات السياحية والآثار كقلعة المرقب بينما يفتقر الجزء الآخر إلى الاهتمام المطلوب رغم غناه بالغابات من جهة مدينة القدموس وريفها الذي يعد المكان الأمثل لإقامة المنتجعات الصحية لافتاً في المقابل إلى ما يتمتع به محور طرطوس-صافيتا-مشتى الحلو من أماكن أثرية وطبيعية تم استثمارها بعناية ليبدو هذا المحور الأكثر نشاطاً في سياحة طرطوس.
ويشير معاون مديرة السياحة إلى الحاجة لاستثمار الغنى الطبيعي بالخضرة والينابيع في محور طرطوس-الدريكيش-دوير رسلان ومعالمها الأثرية وأشهرها قلعة الشيخ ديب إضافة إلى محور طرطوس-الشيخ بدر الزاخر بالينابيع والمعالم التاريخية والمغاور والكهوف وصولاً إلى محور جنوب طرطوس الممتد حتى الحدود
اللبنانية والمتميز بآثار عمريت وبطبيعته السهلة واستثماره بالمجمعات السياحية ذات التخديم الجيد.
وتحتاج جزيرة أرواد بحسب عباس إلى خدمات سياحية أكثر بالاستفادة من موقعها وآثارها وحفاظها على حرف يدوية مهمة ولاسيما صناعة السفن والمأكولات البحرية التي يوضح أنها جزء مهم من المطبخ الطرطوسي الذي يعد غنياً بالأطعمة النباتية مشيراً إلى أن العمل في الفترة المقبلة لابد أن يستند إلى الاستثمار
في السياحة الريفية بما تتضمنه من سياحة بيئية وأثرية ودينية.
من ناحيته يعول المهندس جندب دخيل رئيس جمعية أصدقاء البيئة في الدريكيش على المهرجان في الترويج أكثر للمسر البيئية كوسيلة لتعريف السوريين بمناطقهم وتثقيفهم بكيفية حمايتها والحفاظ على نظافتها وإبراز أهمية دور مكاتب السياحة والسفر وإطلاقها رحلات في ريف طرطوس نظراً للإقبال الكبير الذي يظهره أبناء المحافظة والوافدون إليها وزوارها على إعلانات المسر والرحلات بحيث يمكن تشغيل مكاتب السياحة لهذا الغرض للتعويض عن تراجع عملها بسبب الأزمة مشيراً إلى ضرورة الإضاءة على الظواهر البيئية المهمة في طرطوس ولاسيما منها الطيور الحوامة التي تتخذ من الساحل السوري ممراً دافئاً لها أثناء هجرتها وهو أمر لا يعيه أغلب أهالي المنطقة الذين يمارسون الصيد الجائر بحق هذه الطيور.

ويرى الدكتور جورج أسمر رئيس مجلس مدينة صافيتا ضرورة التأهيل السياحي للغابات عبر التنسيق بين وزارة الزراعة ووزارة الإدارة المحلية ممثلة بمجالس المدن حيث لا يحتاج هذا المشروع إلى أكثر من خدمات بسيطة تتعلق بالإنارة والصرف الصحي داعياً إلى اهتمام مضاعف بالينابيع وحل مشكلة التلوث في مناطق السياحة الشعبية قرب الأنهار وإحياء طرق التنقل القديمة بالعربات والخيول إلى مناطق القلاع والآثار.

ويأمل القائمون على المهرجان تحويله إلى حدث سنوي وزيادة رقعة نشاطاته وتنويعها أكثر معبرين عن الأمل في حضور أكثر فعالية في المرات المقبلة لأصحاب الفعاليات الاقتصادية والسياحية المعول عليها في تطوير هذا القطاع .

رزان عمران وسمر زغيبي

انظر ايضاً

محافظ طرطوس: التعاون لإنجاح مهرجان انترادوس “رسائل وطن”

طرطوس- سانا أكد محافظ طرطوس نزار اسماعيل موسى على ضرورة التنسيق والتعاون بين جميع الجهات …