بين ثورة آذار ونصر آذار.. السوريون أكثر عزما وإصرارا على مواصلة المسيرة

دمشق-سانا

قبل 55 عاما من اليوم كان هناك ربيع حقيقي أطلقته دمشق ونشرت عبره الأمل بمستقبل مختلف لسورية والمنطقة العربية عموما وكانت الفكرة الكبيرة “أمة عربية واحدة.. ذات رسالة خالدة” التي تمناها كل مواطن عربي من المحيط إلى الخليج.

الثامن من آذار عام 1963 لم يكن يوما عاديا في تاريخ سورية لأن وصول حزب البعث العربي الاشتراكي إلى السلطة في بلد يعتبر مركز العمل السياسي في المنطقة لم يكن أمرا سهلا وربما لم يكن مسموحا من قبل دوائر الاستعمار الغربي والرجعية العربية التي تعاملت مع سورية منذ ذلك التاريخ على أنها الخصم الأكثر قوة في معادلة الصراع على سورية والمنطقة.

حزب البعث بشعاراته التنويرية والقومية وإدواته الشعبية والجماهيرية بات منذ تلك اللحظة حامل راية المواجهة مع العدو الاسرائيلي أولا ومع الغرب الراغب في السيطرة ثانيا ومع الرجعية العربية الخائفة على مكاسبها التي منحها اياها الاستعمار ثالثا وفي هذه المواجهة المتعددة الأوجه اعتمد البعث على الواقعية في الطرح والجرأة في القرار والثقة بالجماهير فمضى بعيدا في مسار المواجهة.

ومرت المحطات تنقل سورية ومعها المنطقة من عتبة الى عتبة اخرى ولم يسمح أبناء ثورة الثامن من آذار بانحراف البوصلة عن هدفها القومي وكان التصحيح دائما خيارا على الطاولة وهو ما حصل بالفعل في الـ 16 من تشرين عام 1970 عندما انهى القائد المؤسس حافظ الأسد حقبة النكسة واعلن انتقال سورية إلى مرحلة استعادة الثقة ولم يتأخر كثيرا في الوصول الى ما اراده فكانت حرب تشرين التحريرية عام 1973 التي دخل فيها العامل القومي الذي يشكل جوهر البعث كعامل حاسم وتحقق النصر على العدو وتم تحرير اول ارض عربية تمثلت بالقنيطرة دون توقيع اتفاقيات مع العدو.

ولأن ثورة آذار ونهج التصحيح استمرا فكان طبيعيا أن يتواصل التآمر على هذا المسار فكان الاختراق الكبير في لبنان عام 1975 من قبل العدو الإسرائيلي الذي حاول جر سورية إلى صراع في خاصرتها الرخوة لكن سورية حسمت أمرها وتعاملت بفهم قومي مع أزمة لبنان ودخلت الصراع مع العدو مباشرة مع دخول الجيش العربي السوري إلى لبنان عام 1976 وعندما يئس العدو من هذه الخاصرة دخل مع سورية بلعبة الإرهاب وحرك ذراعه المتطرف حركة الاخوان المسلمين التي حاولت ضرب سورية من الداخل لاشغالها عن محيطها القومي لكن سورية مجددا نجحت بإحباط هذه المحاولة وكسرت شوكة الاخوان المسلمين عندما واجهتهم باعتدال الشعب السوري وتنوره وإدراكه لأبعاد الصراع الاقليمية والدولية.

استمر نهج آذار ونفس التصحيح وراهن العالم على تراجع دور سورية بعد تفكك حليفها الرئيسي الاتحاد السوفييتي مطلع التسعينيات لكن سورية فاجأت العالم بحيوتها وقدرتها على استيعاب المتغيرات بسرعة إذا كان لها من التحالفات العميقة والتماسك الداخلي ما جنبها الارتدادات العنيفة للتغيرات الدولية الجذرية في تلك الحقبة.

تجاوزت سورية محنة حرب الخليج الثانية بذكاء وحنكة ووصلت الى عتبة الالفية الثانية متماسكة قوية بفضل تمسكها بمبادئ العروبة والعمل على التماسك الداخلي وتبني خيار المقاومة والردع مع العدو في كل مراحل الصراع.

احتفلت سورية عام 2000 بانتصار المقاومة في لبنان على العدو الصهيوني وكانت شريكا كبيرا في النصر وهو ما أكده الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه في بنت جبيل عندما وجه التحية لسورية وجيشها وقيادتها.

اهتز العالم عام 2001 بعد تفجيرات 11 أيلول وفرضت أمريكا معادلتها على الخائفين لكن سورية بقيت متماسكة وبقي البعث يحسن إدارة الصراع متفاديا الخطر الأمريكي الوشيك الذي حط في أفغانستان لكن الخطر اقترب من سورية أكثر عام 2003 بعد احتلال العراق وكانت العين تتجه إلى دمشق التي فاجأت العالم عندما رفضت الشروط الأمريكية وخرج وزير الخارجية الأمريكية كولن باول صاحب كذبة الكيميائي العراقي خالي الوفاض من قصر الشعب بعد لقائه الشهير مع السيد الرئيس بشار الأسد.

بلعت واشنطن الهزيمة عندها وبدأت تخطط للنيل من سورية فكان القرار 1559 وبعده اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري واتهام سورية عبر مهزلة التحقيق الدولي وهنا ظن البعض أنهم نالوا من سورية لكنها فاجأتهم جميعا وخرجت من المحنة أشد قوة من قبل وكان نهج التصحيح وثورة آذار المجيدة حاضرين في كل تفاصيل المواجهة السورية مع الاعداء ولم يكن أحد يتوقع ان تصل سورية ومعها حلفاؤها إلى عتبة 2006 المشرفة عندما ردوا الصاع لإسرائيل ولقنوها درسا قاسيا لم تتجاوز نتائجه حتى اليوم.

لم ييئس اعداء سورية وعادوا مرة جديدة عام 2011 من بوابة براقة بعنوان الحرية والديمقراطية ونجحوا بخداع بعض السوريين لكن شهورا قليلة كانت
كفيلة بكشف المخطط وفضح من وراءه ودارت الحرب بين سورية البعث والتصحيح والانتصارات من جهة وجبهة الرجعية والغرب والتكفيريين و”إسرائيل” وبقيت سورية وفية لمبادئها القومية والحضارية فحاربت بشرف وبسالة وها هي اليوم بعد سبع سنوات من الحرب تعيد للتاريخ توازنه وتفرض كلمتها الصادقة على الجميع معتمدة على جبهة داخلية قوية وجيش عقائدي ومنظومة حلفاء قدموا كل ما يستطيعون لنصرة سورية وحماية القانون الدولي والشرعية الدولية.

السوريون يحيون هذه الأيام الذكرى الخامسة والخمسين لثورة الثامن من آذار في ظل ما تشهده سورية من عدوان وتآمر واستهداف من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والصهيونية وحلفائهما وأدواتهما في المنطقة والعالم والذي لم يكن إلا نتيجة لاستمرار تمسك سورية بمواقفها المبدئية الثابتة تجاه القضايا العربية العادلة ومنها القضية الفلسطينية فتحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة هو من صميم أهداف ثورة الثامن من آذار وسورية لم تفقد بوصلتها الحقيقية رغم كل ما تكبدته من أعباء وتعمل على تحرير كل شبر من أراضيها من الارهاب التكفيري الحاقد.

والجيش العربي السوري الباسل ذو الأساس العقائدي المتين الذي اسسته ثورة الثامن من آذار وحمته مسيرة التصحيح هو الذي حمى العالم كله من الإرهاب ويسطر أروع صور البطولة والتحدي محققا انتصارات ناجزة وعظيمة على مساحة الجغرافيا السورية سيعززها الانتصار الذي يحققه اليوم في الغوطة الشرقية.

في ذكرى الثامن من آذار السوريون ماضون بكل عزيمة وإباء بمواجهة الإرهاب واجتثاث جذوره لينطلقوا في مرحلة إعادة إعمار ما دمرته التنظيمات الإرهابية المسلحة مؤمنين بإمكاناتهم وقدراتهم الذاتية وإصرارهم الاكيد على النهوض ببلدهم ليصبح أقوى وأجمل مما كان عليه.

ايناس سفان