لم يفاجئ الرد العربي الإسلامي على قرار ترامب أحداً. فمن كان يتوقع من أنظمة خاضعة للولايات المتحدة، وحليفها الكيان الصهيوني أن تتخذ من القرارات غير الكلام الفضفاض الذي لا يقدّم ولا يؤخّر؟!.
ومن كان يصدق بعض التصريحات العنترية التي أطلقها أردوغان وأمثاله، وهم غارقون حتى الذقون في التطبيع مع الكيان الإرهابي؟!.
ومن حسن الحظ أن هذا الكيان يقوم بين الفينة والأخرى بفضح حلفائه، ويعلن على الملأ طبيعة العلاقات التجارية والدبلوماسية وحتى العسكرية التي تربطه بهم.
لقد استنفد أعداء الأمة كل أدوات الخديعة التي استخدموها سياسياً وإعلامياً لتضليل المواطن العربي، وإبعاده عن قضيته المركزية: فلسطين.
وكان دور محور المقاومة في القضاء على «داعش» سبباً أساسياً في إفشال المشروع الأمريكي الصهيوني الرجعي العربي الذي وقف وراء الإرهاب التكفيري بكل إمكانياته المادية والعسكرية والإعلامية لإسقاط دول هذا المحور، ولاسيما الدولة الوطنية السورية، تمهيداً لتصفية القضية الفلسطينية.
لكن نهاية «داعش» التي وجّهت لأعداء فلسطين والعروبة المقاوِمة ضربة في الصميم، وأخرجتهم عن طورهم لم تجعلهم يستسلمون، فأمثال هؤلاء لا يستسلمون بسهولة طبعاً، وها هم يحاولون لعب كل الأوراق التي مازالت في حوزتهم. وليس قرار ترامب إلّا إحدى هذه الأوراق التي تندرج في سياق خطة ما سمّي «صفقة القرن» لتصفية قضية فلسطين، وتوجيه الضربة القاضية للمشروع القومي العربي. وهم في هذا، وعلى عادتهم، يراهنون دائماً على أنظمة العمالة والخيانة، ولا يقيمون وزناً للجماهير العربية التي يعتقدون أنها قد دُجّنت، وباتت خارج نطاق الفعل التاريخي. وهو رهان لا واقعي وغبي بكل المقاييس، وإلّا فكيف تمكّن عرب المقاومة من الصمود، بل وتحقيق الانتصارات على الكيان الصهيوني منذ عام 2000 وحتى الآن، لولا صمود الشعب العربي ووقوفه معهم. أقول حتى الآن، لأن هزيمة «داعش» أمريكي الصنع هي أيضاً هزيمة شنيعة للصهيونية. وقد كان للصمود الشعبي العربي دور أساسي في تحقيقها لا يُنكره إلّا المغفّلون.
وها هي اليوم فلسطين المنتفضة، مدعومة بجماهير الأمة في مختلف بلدانها، تؤكد مجدداً، أن الشعب العربي، رغم كل قيوده وهمومه ومآسيه عصيّ على التطويع والإخضاع، وأن الذين يتطلّعون من جماهير الأمة لتحرير فلسطين هم في ازدياد مستمر، وأن كل أنواع غسيل الدماغ، وتحطيم المعنويات، فضلاً عن القمع والمنع، عجزت عن كسر إرادتهم، وزادتهم إصراراً على التمسك بفلسطين قضية، وهدفاً، وبوصلة.
فلسطين المنتفضة اليوم تكتب بدم شهدائها وجرحاها ملحمة جديدة في محاربة الصهاينة. وهي تدرك أن تخلّي أذناب أمريكا والكيان الصهيوني من الحكام العرب عنها، بل وحتى وقوفهم ضدها، لن يغير الحقيقة التاريخية، حقيقة أن الشعوب إذا أرادت الحياة فلابد أن يستجيب القدر. فكيف وشعب فلسطين يقاتل بلحمه الحيّ من أجل الحياة الحرّة والكريمة، وكيف وجماهير الأمة تقف معه، وتدرك بحسّها العفوي، أن ترامب بفعلته النكراء قد دقّ مسماراً جديداً في نعش الصهيونية، وأن زمن نهاية هذا الوحش البشع قد بدأ، وأن مصيره لن يكون أفضل من مصير أداته الداعشية.
صحيفة البعث