الشريط الإخباري

التشكيلي عنتابي: اللوحة الملاذ الوحيد للفنان

دمشق-سانا

يقدم التشكيلي المعلم إحسان عنتابي شهادته حول الحرب على سورية طيلة السنوات السبع الماضية عبر لوحات معرضه المقام حالياً في صالة آرت هاوس بعنوان “شوهد” معتمداً دمج عدة أساليب في صياغة مشهدية بصرية تحمل الكثير من الألم و الحزن و القوة في الوقت ذاته.

واختار عنتابي لبروشور معرضه صورة لوحته الأكبر والأهم من بين مثيلاتها لتكون رمز المعرض وهي بمقاس /300/120/ سم ومنفذة بتقنية الشاشة الحريرية و بنسخة واحدة وتمثل الحرب التي يتعرض لها الوطن والإنسان على شكل أيقونة متنوعة الألوان الفجائعية بتكرار لاثنتي عشرة مرة مع أمضاء شوهد.

السوداوية التسجيلية التي نحا باتجاهها عنتابي بكثير من الحرفية المازجة بين لوحة التصوير وفن الغرافيك بدت في بعض الأعمال أكثر سوريالية وفي بعضها الأخر أقرب للواقعية ولم تخلو من فسحة أمل ولو كانت بمساحات قليلة عبر ألوان مفرحة تحاول مقاومة السواد الطاغي.

وللوقوف أكثر على هذه التجربة في تسجيل الواقع المؤلم عبر اللوحة كان لـ سانا الحديث التالي مع التشكيلي عنتابي..

ما الرسالة التي أردتها من خلال لوحات معرضك “شوهد” ولمن تبعثها بشكل رئيسي؟

اللوحة هي الملاذ الوحيد للفنان .. عندما تكون لوحتك هي طوق النجاة في هذا الزمن الصعب .. وهي قاربك الذي يعيدك الى ضفاف الحياة ينسل قرار الرسم من يديك ويصبح محكوما بالسطح الأبيض .. حين كنت أرسم لم يكن في منظوري إقامة معرض أو توجيه رسالة ما لكن حضور الأعمال و تراكمها يكشف لك الرؤية وتجربتي مرهونة بمدى اللوحة وأدواتها عبر العصور.. ولا تستطيع أن تحمل اللوحة أكثر من كينونتها بأنها لوحة.. فنحن نعيش عصر الاتصالات الذي يغطي الوقائع و يوثق حياة الأفراد والشعوب .. وهذه طفرة تاريخية تمنح اللوحة فضاء أوسع في التعبير والخصوصية وتطرح مجدداً مسؤولية ووظيفة الفن في المجتمع.

هل تستطيع اللوحة والفن عموما اختزال الوجع وألم الحرب وهل يستطيعان توثيقه؟

إن عصر الاتصالات الحديث وسم حياة العالم وغطى كل شيء.. في الماضي كانت المسلات والجداريات الفرعونية توثق وتشهد على الأحداث والحياة.. واستمر الإنسان يبتكر وسائله حتى الوصول إلى عصرنا الفريد من نوعه عبر التاريخ.. واليوم الفنان يعيش أزمة الموضوع.. وعليه اختيار موضوعه.. وقد سميت معرضي شوهد لأن كثافة المشاهدة اليومية وتنوعها تكاد تحيد حساسية المشاهدة و تدفع الإنسان الى حالة ترهل يعتاد معها منظر الدماء كما يعتاد مشاهدة النشرة الجوية.

في طفولتي كان العدوان الثلاثي على مصر وانهالت علينا في المدرسة مواضيع الإنشاء والتعبير عن العدوان كوظائف بيتية كانت دموعنا تبلل أوراق دفاترنا ونحن نجهد بالوصف والكتابة كنا نحو ثلاثين طالباً في الصف ..في الصباح يمر المعلم أمام مقاعدنا متثائبا ومتعباً ليوقع كلمة شوهد للجميع منهياً تصحيح الوظائف خلال دقائق، فهنالك ذكريات لا يمكن أن تفارق حياتنا ولا نعلم كيف نعيد انتاجها.

كيف ترى تأثير الازمة على التشكيل السوري عموما؟

الفنان يملك حرية ما يعمل وهو مسؤول عنه ولا يمكننا فرض أي شيء بخصوص عمله فالناس جميعا تعيش المعاناة ولكل إنسان حساسيته واسلوبه في التعبير وهذا الموضوع متروك للمستقبل حيث يعاد ويدرس التقييم لكل ما أنتج خلال هذه السنين العجاف.

هل ترى العرض مجديا للفنان في ظل ما نعيشه من ألم وصعوبات… نحن نعيش حالة حرب وأزمة على جميع المستويات والفن هو أحد الوجوه الأكثر حساسية لهذا الموضوع والناس تدرج أولوياتها ولا شك أن الفنان في وضع صعب ويبقى الأمل نسغ الحياة.

كيف ترى تعاطي المؤسسة الثقافية الرسمية والخاصة مع الفن التشكيلي خلال الأزمة

المؤسسة الثقافية الرسمية تبذل قصارى جهدها في إحياء ودعم الثقافة والفنان وهذا ما نلمسه عبر الأسابيع الثقافية المقامة اضافة الى المعارض و النشاطات الموسيقية ونجحت بذلك لدرجة أني أتلقى اتصالات من زملائي في المهجر يتساءلون كيف نقوم بذلك في تلك الظروف الصعبة إنها إرادة الحياة.

وبالنسبة للقطاع الخاص فإن الوضع الاقتصادي ترك أثره في سوق العمل الفني لكن ما زال هناك فئات من المتنورين الوطنيين الذين أخذوا على عاتقهم دعم الفن والفنان السوري.

ماذا عن رؤيتك لجيل الشباب من الفنانين السوريين وهل نتاجهم يبشر بتطور التشكيل السوري..

المستقبل أمام الشباب وهو مسؤوليتهم لكن هناك حساسية لموقف هذا الجيل المحاط بتحديات وسائل التواصل الاجتماعي حيث تكاد تلغي لديهم فضول القراءة ودورها في تكوين شخصية الإنسان وبات التكلم بالعامية وبلغة هذه الوسائل حتى على مستوى التقييم الفني بديلا من المعرفة واللغة السليمة وهذا ما أراه على الأوراق الامتحانية مراراً وأصبحت الشعبوية في التفكير واللغة خطرا يطال شرائح عمرية أكبر ويمثل تحديا كبيرا يطال أيضا الثقافة العالمية.

هل انت متفائل بمستقبل الفن التشكيلي السوري ولماذا…

نعم أنا متفائل بمستقبل الفن التشكيلي وأسباب ذلك صمود الحركة الفنية واستمرار العطاء الذي يؤكد استمرار الحياة رغم العدوان الذي استهدف حضارتنا ويمكننا أن نتصور أن الاستقرار سوف يعطي دفعاً ويضفي على الكثيرين التألق والحضور.

والتشكيلي إحسان عنتابي مواليد حلب عام /1945/ وخريج كلية الفنون الجميلة قسم الاتصالات البصرية عام /1969/ وخريج المدرسة الوطنية العليا للفنون الزخرفية في باريس عام /1975/ وعمل أستاذا في قسم الاتصالات البصرية في كلية الفنون الجميلة بدمشق ورئيسا لهذا القسم لغاية /1994/ وعمل في مجال الإعلان والتصميم الفني وأعماله مقتناة من قبل وزارة الثقافة “المتحف الوطني بدمشق”و”متحف الشارقة” وفي متاحف هنري لانغلوا في باريس والدانمارك للبوستر في كوبنهاغن ولاتي في فنلندا وضمن مجموعات خاصة له العديد من المعارض الفردية والمشتركة داخل سورية وخارجها.

محمد سمير طحان