العرج الغربي والعكاز السعودي-الثورة

لا تكتفي المقاربة السعودية في محاكاتها لما يجري من تطورات في المنطقة، بما تستعيره من جعبة النفاق الغربي، بل تضيف إليه دجلاً ممزوجاً بظلاميته وصبيانيته، حين تحاول أن تخلط الحابل بالنابل، وأن ترمي بما اقترفته على ضفتي المشهد، فتقدم رواية معوقة ومشلولة.‏

ولا تتردد البروباغندا القادمة من مشيخات الخليج عموماً في التقيد بتلك المقاربة، حين تسرد مغالطات مغرقة في سياقها الاستقصائي بحثاً عن موطئ قدم تستعين به للبقاء داخل حلبة توزيع الأدوار التي تعاد صياغة خرائطها الممتدة في كل الاتجاهات.‏

ليس في الأمر من مفاجآت تذكر حين تنبش تلك المقاربة في أساس الإرهاب، وهي تحاول أن تبعد الشبهة عنها، فالمجرم اعتاد أن يحوم حول جريمته، لكن من باب المقارنة التاريخية الصرفة القائمة على حسابات الجدل، يبدو المسعى السعودي تائهاً بين حسابات المصالح النفعية في الاستمرار بتقديم الخدمات المجانية للمشروع الغربي، وبين مقتضيات الحرص على البقاء بجانب التفاصيل المتداولة عن جريمة إنتاج الإرهاب.‏

حلبة المواجهة الإقليمية والدولية تتسع وفق ما تقتضيه من إضافات على عدد اللاعبين الجدد أو القدامى، وتتعاطى بمساحات مفتوحة مع ما تمليه من تغيير في قواعد اللعبة، وصولاً إلى تعديل جوهري في منصات الاستهداف التي تحاول أن تقوّض الأركان التقليدية للمجابهة القائمة منذ عقود، أو أن تعدّل في اتجاهات البحث عن أصل الإرهاب ومنابعه.‏

في الإضافات المطروحة ثمة استطالات مرضية واضحة للعيان، لا يمكن أن تخطئها العين بدءاً من «ثورنة» داعش وانتهاء بملاحقاتها الوجاهية في الدفاع عن السياسيات الغربية ومحاولة تبرئتها من تبعات حمايتها وتسمينها دعماً وتمويلاً وتسليحاً، ومروراً بكمّ لا ينتهي من الدجل السياسي والمراهقة الصبيانية، التي تتفشى في كثير من المشيخات الخليجية حين تواجه ارتدادات الإرهاب الذي أنتجته بتقديم عكازها لتقويم الهواجس الغربية.‏

ما هو واضح أن العرج الأوروبي كان الأكثر وضوحاً، رغم أن الأميركي كان سابقاً له وقد استدرجه إلى العلن بعد أن استنفد ما بطن منه، خصوصاً، حين تصل الأمور إلى حد المزاوجة بين عباءة المصالح وتحديات الاستراتجيات المرحلية، وهي تحاكي تعمية سياسية قادت الكثير من مشيخات الخليج إلى إعاقة في السياسة وشلل في الإعلام والدبلوماسية وهي تهيم على وجهها بحثاً عن قارب نجاة يصلح للفرار خارج حلبة المواجهة.‏

لا نعتقد أنه من الصعب فهم تداعيات هذا الانسياق الغربي بحثاً عن شراكات جديدة لمكافحة الإرهاب حتى لو أغضت في بعضها أو عطلت مؤقتاً شراكاتها مع المشيخات، التي وصل المطاف بها إلى الحائط المسدود، وباتت الخطوط الحمر والمحظورات في السياسة الأوروبية مجرد أطلال في مفاهيم قادتها الآنيين والسابقين.‏

لكن على المقلب الآخر تتشكل الكثير من الأحجيات النفعية في سياق البحث عن أدلة تصلح للمحاججة على قاعدة الانتماء وفرضية التوصيف السياسي لما يجري، وهي تتقارب في ذلك مع ما ذهب إليه الأمين العام للأمم المتحدة من توصيفات سطحية أقرب للاستهلاك الإعلامي منها إلى التعبير عن رؤية ترتقي لمستوى المنظمة الدولية.‏

الفارق أن السعودي الذي يلوذ اليوم بين أصل الإرهاب ومنتجه وبين استطالات مرضية واضحة للعيان، لا يكتفي بما أشعله من بؤر للإرهاب المتنقل في المنطقة والعالم، بل يضيف إليه ما يحتاجه من أصول تتآلف مع الحاجة العملية لسياق يبقيه في الدائرة ذاتها التي يتحرك بها الإرهاب، ولا يجد غضاضة في نقل الراية من كتف إلى آخر حين تستدعي الحاجة.‏

إن الغرب قبل غيره يعرف ويدرك أصل المشكلة حين ينافق في مكافحة الإرهاب، وإن البداية العملية تبدأ بالعودة إلى جذر المشكلة وأصلها، وهي في الإرهاب الأسود الذي أنتجته السعودية على مدى عقود خلت، واستكلبت في دعمه عبر ثلاث سنوات ونيف، وما زالت تسمّن فيه على مرأى من العالم، وأي عمل خارج هذه الحقيقة أو دونها لا معنى له، والأهم أنه حين يعرج الأوروبي والأميركي يصبح عكاز الإرهاب السعودي في مهب الريح.‏

بقلم: عـلي قاسم