دمشق-سانا
يصنف الآثاريون مدينة يبرود في ريف دمشق الشمالي إحدى أقدم الحواضر المأهولة بالعالم ومن المواقع المهمة على الصعيد الأثري اذ توجد فيها مجموعة كبيرة من المواقع والابنية الأثرية تعود لعصور مختلفة بدءا من الحجرية القديمة حتى الإسلامية وهي من المواقع التي لم ينقطع فيها السكن منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى الآن.
وبين مدير آثار ريف دمشق الباحث الدكتور محمود حمود في حوار مع سانا الثقافية أن آثار يبرود تتموضع داخل المدينة ولا سيما في حي القبع وفي الأودية المحيطة بها وهي وادي المشكونة ثم أودية قرينا واسكفتا وحريا كما تحتوي المدينة على الكثير من الكهوف والملاجئء على ارتفاع يتراوح ما بين 15 و20 مترا من أرضية هذه الوديان يتركز معظمها على الحافة الشمالية لوادي اسكفتا شمال غرب المدينة.
أهمية يبرود كمنطقة اثرية بدأت كما أوضح حمود عندما توقف فيها الرحالة الالماني ألفرد روست مصادفة أثناء رحلته على دراجته الى المشرق العربي حيث تلمس ما تضمه من مواقع فعاد إليها مجددا ليبدأ تحرياته الاثرية التي استمرت أربعة مواسم بين سنتي /1930/و1933 لينجز سنة 1950 أبحاثا وضعها في كتاب بعنوان مكتشفات مغاور يبرود باللغة الالمانية قدم فيها مقارنات ممتعة مع مواقع المشرق العربي ومثيلاتها الاوروبية وكان حصيلة اول تنقيب منهجي وعلمي منتظم في مواقع عصور ما قبل التاريخ السورية.
ورأى مدير اثار ريف دمشق ان التحريات الاثرية التي أجراها الألماني روست اسهمت في تأسيس دراسة عصور ما قبل التاريخ في سورية وتوجيه أنظار علماء الآثار اليها كما أنها وضعت يبرود على لائحة /أهم المواقع الأثرية العالمية/ واصبحت تسمية الثقافة اليبرودية مصطلحا لحضارة مشرقية سادت خلال العصر الحجري القديم ومتعارفا عليه عالميا.
ويستعرض حمود الطرق التي سلكها روست في تنقيباته حيث بدأ اعماله بإجراء مسح أثري في منطقة يبرود وصل الى مسافة 15 كيلومترا اكتشف من خلاله عددا كبيرا من المواقع الاثرية التي تميزت بغناها بالادوات الصوانية ثم قام بدراسة ستة ملاجئء وكهوف واختار ثلاثة منها للتنقيب وكانت في وادي اسكفتا الذي وصفه روست بأنه أشهر وديان الشرق في عصور ما قبل التاريخ وسكنه إنسان الهوموأركتوس والنياندرتال والانسان العاقل بشكل متواصل وكثيف استمر أكثر من مئتي الف عام امتدت من العصر الحجري القديم الباليوليت الادنى والاوسط ثم الاعلى فالعصر الحجري الوسيط الميزوليت ثم الحديث النيوليت .
كما استطاع روست حسبما بين حمود التعرف على حضارات جديدة لها أساليب خاصة في صنع الادوات الحجرية وكان أكثرها تميزا الحضارة اليبرودية وهي حضارة محلية أصيلة وان تشابهت مع الصناعات التي سادت في العصور الحجرية كالموستيرية وغيرها.
واوضح حمود ان الانسان سكن يبرود منذ العصر الحجري النحاسي واستمر يسكنها خلال العصور التاريخية بكل تقسيماتها وهذا ما اثبتته البعثة الوطنية التي عملت في المدينة بادارة علي ابو عساف وقاسم طوير بين 1964 و1965 بعد العثور على مجموعة من القبور اكتشفها مصادفة احد الفلاحين كما تمكنت البعثة من العثور على تسعة قبور يعود تاريخها الى الفترة الممتدة بين /1950/و/1500/قبل الميلاد أي ما يعرف بالعصر الأموري الكنعاني.
وعرفت يبرود حسب حمود ازدهارا في العصرين الروماني والبيزنطي وفقا للاثار المتبقية فيها واستمر ازدهارها خلال العهود العربية المختلفة وعلى الرغم من ان منطقة القلمون بما فيها يبرود فقيرة بمواردها وكانت بالكاد تكفي نفسها بتصدير القليل مما يفيض عنها الا أنها أفادت من موقعها كبلد مرور وحققت من ذلك بعض الموارد الاقتصادية التي أمنت لقاطنيها حياة لائقة وشيئا من الرفاه.
ومن الاثار المهمة العائدة الى العصر الروماني في يبرود بقايا بناء يعلو تل القبع وسط المدينة بين البيوت القديمة لا تزال أجزاء منه ظاهرة مثل بعض الجدران وأحد الاعمدة وهو ينسب الى زنوبيا ملكة تدمر التي يزعم أنها استخدمته مقرا صيفيا لها لكن حمود يؤءكد أن لا شيء يثبت ذلك وربما يخص الحاكم العسكري الروماني.