الموسيقار الراحل مطيع المصري: رحلة عطاء تجاوزت الخمسين عاما

دمشق-سانا

كثيرون هم الموسيقيون السوريون ممن غادروا عالمنا ليطولهم النسيان تحت وطأة طغيان موجة الأغاني الصاخبة والسريعة فلا تستعاد مسيرتهم الفنية ولا تبث أعمالهم الموسيقية إلا نادراً وأحد هؤلاء الراحلين الكبار الموسيقار مطيع المصري الذي تمر اليوم ذكرى رحيلة الثانية عشرة.

وما تفرد به الراحل المصري عن غيره من الموسيقيين السوريين الرواد تفوقه في مجال الموسيقا المسرحية وخصوصا الأوبريت التي قدم فيها عشرة أعمال من روائع ما قدم في هذا الفن .1
ومطيع المصري الذي ولد في مدينة حمص عام 1930 ونشأ يتيماً استطاع أن يتجاوز معاناة اليتم كشأن العديد من النوابغ ووجد في الموسيقى متنفساً يصب فيه معاناته ومشاعره وبهرته الآلات الموسيقية النفخية فتعلم العزف على الكورنيت وهو لا يزال في العاشرة ثم درس الموسيقا على يد موسيقي إيطالي اسمه سيزار تاديا .

تعلق المصري بالموسيقا دفعه وهو في سن الثامنة عشرة للانتساب لفرقة موسيقا الجيش ليتمرس أكثر في الموسيقا وينمي مواهبه وهناك أتقن العزف على آلتي الترومبيت والأبوا التي بز فيها أقرانه ليصبح في فترة وجيزة من كبار العازفين على هذه الآلة وليشارك كعازف أساسي في معظم حفلات الموسيقا الكلاسيكية والغربية التي شهدتها دمشق طوال الخمسينيات .

مقدرات موسيقارنا الراحل وطموحه الموسيقي الكبير لفتتا الأنظار إليه فأوفدته وزارة الدفاع عام 1962 لدراسة الموسيقى في القاهرة وهنالك تخصص في قيادة الأوركسترا السيمفوني والتوزيع الموسيقي لمدة سنتين وتخرج بإمتياز.

وتفجرت طاقات المصري الإبداعية لدى عودته للبلاد ووجد من خلال فرقة أمية للفنون الشعبية التي تشكلت حديثاً آنذاك منبراً يعرض خلاله رؤيته الجديدة ولاسيما أن الفرقة ضمت خيرة العازفين والراقصين لكن المصري لم يكتف بذلك بل كون كورالاً غنائياً ضخماً ليحقق من خلاله أحلامه الموسيقية .

وجد المصري في الأوبريت الغنائي ضالته فقدم مع فرقة أمية باكورة أعماله في هذا المجال عام 1964 وحمل اسم الأم والوطن بمشاركة مئة عازف وراقص ومغني كورال وتحكي قصته التي استقاها من رواية الأم الشهيرة للروسي مكسيم غوركي عن أم استشهد زوجها دفاعاً عن الوطن ثم كبر أبناءها وساروا بدورهم على خطى أبيهم وعادوا لأمهم منتصرين.

وتتالت بعدها أعمال المصري في الأوبريت لتبلغ حصيلتها العشرة وهي: أفراح الريف -حكاية بلدي -علاء الدين -السيف المسحور-ديك الجن -كان يا ما كان- ثورة الفلاح -نبع الريحان -موسم الحب.
ويقول الباحث والمؤرخ الموسيقي أحمد بوبس الذي كان صديقاً للموسيقار الراحل وأرخ لمسيرته الفنية في حديث ل سانا لقد استخدم مطيع المصري الموسيقا الغربية في الأوبريتات الغنائية مزاوجاً بينها وبين الموسيقا العربية مضيفاً أنه لا يستطيع أي موسيقي حالياً تقديم هذا الفن بالمستوى الذي وصل إليه الراحل.

ويعتبر بوبس أن الإنجاز الآخر المهم في مسيرة المصري الفنية تحويل الكورس الغنائي إلى كورال على المنوال الغربي ما يسمح له بأداء القطعة الغنائية كاملة كغناء جماعي أساسي وهو ما ظهر جلياً في الأهازيج الشعبية التي حولها إلى أغان بتوزيع جديد.

ويشير بوبس إلى أن المصري تعرض للغبن والإهمال في سنواته الأخيرة وساءت أحواله المادية فانتقل إلى بيت متواضع بأحد الأحياء العشوائية في ضواحي دمشق وكل المشاريع الموسيقية التي قدمها للمعنيين في المعهد العالي للموسيقا ووزارة الثقافة لم تجد آذانا صاغية ليرحل بصمت في العاشر من أيلول عام 2002.

ولا زلنا إلى الآن نتذكر أهازيج شديت الهجن والله الله يا مفرج المصايب وزينوا المرجة- يا مهيرة خلف الجبل التي تولى المصري إعادة إحيائها وتوزيعها اوركستراليا باستخدام الكورال.

ومن الأغاني الجميلة التي لحنها المصري واستقاها من التراث نجد الأغنية الوطنية الحماسية عزي وبلادي سورية للمطرب موفق بهجت وواردة ع المي للمطرب الراحل ياسين محمود فضلاً عن أغنيات أخرى لحنها للمطربين سحر ومصطفى نصري ومروان حسام الدين والثلاثي الفني والثلاثي الأندلسي وغيرهم .

سامر الشغري