إسناد المواقف إلى مرجعياتها الاستراتيجية

تبدو الأوضاع في المنطقة –وتأثيراتها في العالم- حالة غير مسبوقة، أقله في التاريخ المعاصر حيث كانت الحروب تقوم بين أحلاف واضحة المعالم والحدود ذات انتماءات عقائدية وسياسية محددة، أما ما نراه اليوم حولنا فهو أشبه بفوضى يحارب فيها الجميع ضد الجميع. 

لكن رغم ذلك توجد حدود واضحة بين تيارين كبيرين في العالم، تيار يريد إطالة عمر منظومة القطب الواحد، وآخر يسعى لبناء منظومة عالمية أكثر توازناً تستند إلى التفاهم والشراكة واحترام مبادئ القانون الدولي.

ومن وجهة نظر تاريخية تبدو الأوضاع اليوم، في مجملها، تمهيداً مؤلماً وصعباً لدخول عصر أكثر توازناً، أي لإنهاء مرحلة الاستعمار الحديث أو على الأقل إضعاف هذا الاستعمار. تذكرنا هذه الحالة بالحرب العالمية الثانية التي أنهت الاستعمار القديم على الرغم من أن رموز ذلك النظام –بريطانيا وفرنسا- انتصرتا شكلانياً في الحرب.

لكن الفرق بين حالة موت الاستعمار القديم والحالة الراهنة هو ذاك التداخل في التحالفات والأحداث لدرجة تكاد تربك المراقب الموضوعي.

من أهم هذه التداخلات:

-الولايات المتحدة، والغرب بكامله، تعلن أنها تريد مواجهة الإرهاب، لكن الإرهابيين يتسلحون ويتمولون ويتدربون من دول حليفة جداً لواشنطن «تركيا» أو تابعة جداً لها «قطر».

-الولايات المتحدة تدعي أنها ستضرب الإرهاب، لكن أحداً لم يخدم أهداف أمريكا في المنطقة كما خدمها الإرهاب، فالإرهابيون قسموا المنطقة وعززوا «الفوضى الخلاقة» وأثاروا الفتن بين الناس وهددوا استقرار وأمن الدول التي لا ترضى عنها أمريكا، وخاصة سورية.

– السعودية تعلن «داعش» منظمة إرهابية، لكن الداعشيين وغيرهم من مفرزات «القاعدة» يلقون دعماً مطلقاً من منظمات وجمعيات سعودية «غير رسمية» إضافة إلى العقيدة الوهابية المتطرفة..

– قطر تدّعي أنها مع التحالف المناهض للإرهاب لكن ممارساتها تؤكد علاقاتها الوثيقة بالإرهابيين  من جميع الأنواع، بدليل أنها دائماً تتوسط بين الحكومة اللبنانية وهؤلاء الإرهابيين..

– كذلك تركيا تعلن أنها مع التحالف لكن معسكر التدريب في العثمانية الأكبر بين ثلاث معسكرات لتدريب «القاعدة» ومفرزاتها في تركيا، إضافة إلى ذلك يمر المرتزقة من جميع دول العالم عبر الأراضي والمطارات التركية بشكل علني ومنظم حيث تستقبلهم مجموعات على علاقة وطيدة مع المخابرات التركية لتوصيلهم إلى الأراضي السورية والعراقية..

– يعتمد الإرهابيون على تكنولوجيا المعلومات والاتصال، بينما المخدمات موجودة لدى أمريكا تستطيع إيقافها وحرمان الإرهابيين من خدماتها بلمح البصر. لكنها لا تفعل.

هذه المفارقات والمتقابلات لا يمكن حلها إلا عبر القاعدة المنهجية المعروفة التي تؤكد أنه من الضروري إسناد المواقف والسياسات إلى مرجعياتها الاستراتيجية حتى يمكن فهمها.

بقلم: د. مهدي دخل الله

انظر ايضاً

الإرهاب والأكاذيب الأمريكية!-بقلم: محي الدين المحمد

يعتقد المسؤولون الأمريكيون أنهم يستطيعون السيطرة على العالم والتحكم بقرارات الدول والتلاعب بالرأي العام