الشريط الإخباري
عــاجــل وزارة الصحة الفلسطينية: 45 شهيداً و77 جريحاً ضحايا مجازر الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية

الفن ينتقل من الصالات إلى الشوارع بملتقى النحت على الخشب بطرطوس

طرطوس-سانا

التناغم بين الحجر الرملي الأصفر لواجهة طرطوس القديمة وبين خامات الخشب هو أول ما يستوقف زائر ملتقى النحت على الخشب فى مدينة طرطوس على وقع صوت المنشار تتخلله أصوات بلهجات مختلفة لا يمكن معها إلا أن تتذكر سورية الأجمل التى تتجاوز كونها مجرد شعار للملتقى. 2

وفى الساحة الخارجية لصالة المعارض القديمة قبالة الكورنيش البحري تتناثر جذوع أشجار الكينا والصنوبر بين أيادي اثني عشر نحاتاً من طرطوس ودمشق ودير الزور وحمص واللاذقية والسويداء حيث بدؤوا مع أول أيام الملتقى تشكيل منحوتات ستعرض بعد عشرة أيام فى ختام الحدث الذى يعد الأول من نوعه على صعيد دعوة نحاتين محترفين من المحافظات ليمارسوا العمل فى الهواء الطلق وفى أحد أكثر الأماكن عراقة.

ويرى مدير الملتقى النحات عماد الدين كسحوت من دمشق فى حديث لنشرة سانا الثقافية أن تحقيق حضور نوعي من ست محافظات إلى الملتقى فى الظروف الراهنة يمثل إنجازاً مهماً يعيد تأكيد دور الفنان السوري الصامد وسط أقسى الظروف الحياتية التى طالت الفن بآثارها السلبية كما كل المجالات الأخرى مشيراً إلى نجاح التعاون بين وزارة الثقافة والقطاع الخاص ممثلاً بشركة انترادوس للتطوير السياحي لإقامة الفعالية بدرجة عالية من التنظيم وتأمين الأدوات اللازمة للنحت.3

ويشير كسحوت إلى أهمية تواجد سبعة شبان وشابات من الخريجين الجدد من المعهد التقنى للفنون التطبيقية وكلية الفنون الجميلة ليطلعوا مباشرة على العمل الاحترافي ويساعدوا أصحابه ويضعوا لمساتهم الخاصة ما يعد تشجيعاً للشباب داعياً إلى الاهتمام أكثر بالدعاية للملتقى لأن الإعلام يبقى صلة الوصل الأساسية بين الفنان والجمهور.

ويلفت النحات علي سليمان من محافظة طرطوس إلى أن أهم ميزة للملتقى نقله العمل النحتي من الصالونات حيث الجمهور النخبوي إلى الشارع ليكون مادة بصرية متاحة للجميع ترتقي بذائقتهم موضحاً أن هذه الثقافة لم يتم تثبيتها بعد في المجتمع علماً أن مجلس مدينة طرطوس دأب لفترة على إشراك الفنانين التشكيليين في اجتماعاته لإبداء الرأي فى المشاريع ذات الصلة بالمظهر العام للمدينة إلا أن هذا الاتجاه لم يستمر للأسف بسبب تعارض الرأي الفني في بعض الأحيان مع مصالح الأطراف القائمة على هذا المشروع أو ذاك.

من جهته يركز النحات علاء محمد من طرطوس فى منحوتته على الوجوه السورية المعاصرة والتغيرات النفسية التي أصابت السوريين خلال الأزمة حيث يرى محمد أن أهمية الفنان تكمن فى معاصرته للأحداث وتوثيقه لها بكل تقلباتها وآثارها مشيراً إلى أهمية أن تستقطب الملتقيات المقبلة فنانين من خارج سورية ما يسهم بالحوار والتفاعل وانتقال الخبرات.4

ويخالف النحات أنور رشيد من السويداء هذا الرأي معتبراً أن الفنانين السوريين يجب أن يركزوا في الأزمة وما بعدها على الحوار فيما بينهم مؤكداً أنهم قادرون من همومهم المشتركة على صياغة خبرة فنية سورية موحدة تضاهي خبرات أعرق الفنانين الغربيين .

ويشير إلى أن الملتقى ساهم إلى حد كبير بإخراج الفنانين المشاركين من جو السوداوية ودخولهم فى حالة من التفاؤل ساهمت فيها الإطلالة البحرية وجو المدينة القديمة والهدوء ما جعله يختار الأسلوب التعبيري فى تمثيل المرأة بعمله النحتي لغنى عالمها بالمشاعر والتناقضات.

ومن البحر استوحى رئيس قسم النحت فى كلية الفنون الجميلة بدمشق الدكتور إحسان العر منحوتته المتموجة على شكل حلقات تنطق بالموسيقا حسبما أوضح مشيراً إلى أن النحت فى الهواء الطلق يثير فضول المارة ورغبتهم بالإطلاع عن قرب على مراحل إنتاج المنحوتة بدلاً من رؤيتها جاهزة ما ينعكس إيجابا وخصوصاً على الأطفال.5

ولفت إلى ما يتميز به خشب الكينا من لون بني مائل إلى الوردي ما يغنى عن طلائه بحيث لا يحتاج إلا لمواد تحفظه من عوامل الطبيعة مؤكداً أهمية أن يحقق الفنان فى عمله النحتي شرط الغنى فى التكوين وإيلاء الفراغ كل الاهتمام بوصفه مساوياً للكتلة من حيث القيمة الفنية مع ضرورة أخذ رأي الفنان فى طريقة ومكان عرض منحوتته.

واختار الفنان هشام الغدو من دير الزور التالف مع البيئة المحيطة بهذا المشغل النحتي المكشوف فاستحضر حورية البحر موضوعاً للمنحوتة مشيراً إلى ضرورة تكرار مثل هذه الملتقيات لتثقيف العامة فنياً وجمالياً وإلغاء الحاجز النفسي الذى قد يشعر به كثيرون إزاء الفن التشكيلى بوصفه نتاجاً إبداعياً قابلاً لعدة تأويلات.

وبعد تركيزه فى حياته الفنية على أخشاب السنديان والصنوبر يجرب النحات وائل دهان لأول مرة خشب الكينا لتشكيل موضوعه المفضل المستمد من دمشق التى يراها امرأة بالوان السماء لا تتغير مهما تبدلت حولها الظروف موضحاً أن الملتقى خير دليل على أن الاهتمام بدعم الفن ازداد خلال الأزمة كوسيلة لإثبات القدرة على البقاء فى الحياة .

ويجسد النحات غازي كاسوح من طرطوس فكرة مماثلة فى منحوتته التي أراد بها التعبير عن عائلة سورية يتعاون أفرادها على النهوض في مواجهة ثقافة الموت حيث يشير كاسوح إلى أن مجرد إقامة الملتقى بهذا العدد الذى حاول تمثيل أكبر عدد ممكن من المحافظات في ظروف صعبة هو إنجاز كبير وتحد ناجح لكثير من المعوقات متمنياً تكرار الملتقى وأن تتنوع خيارات الأخشاب فيه وفقاً لذائقة كل فنان وفكرته.

ويوضح الفنان علي بهاء معلا الذى مارس النحت لثلاثين سنة على معظم أنواع الأخشاب فى الساحل السوري أن وزارة الثقافة استطاعت ربما تأمين النوعين الأكثر توافراً في الفترة الحالية ما يعني شيئاً من تقييد الفنان واختبار قدرته على الإبداع أياً كان نوع ومستوى الأدوات المستخدمة مشيراً إلى أن قطعة خشب الكينا التي حصل عليها تبدو مناسبة لاختياره تشكيل كلمة سورية بأحرف متداخلة وطريقة فنية جذابة.

ويبدو النحات أكسم السلوم من حمص مختلفاً عن باقي المشاركين فى اختياره خشب الصنوبر لأول مرة بعد العمل لسنوات فى تشكيل خشب الدلب والتوت البري والكينا حيث يرى أن النحات يجب أن يجرب الجديد دوماً ويختبر قدرته على بث الروح فى الخشب أياً كان نوعه ومهما كان مستوى الأدوات المستخدمة فى العمل.

ويفضل السلوم عدم تسمية منحوتته تاركا للمتلقي فهمها والحكم عليها عبر ما يتخيله فيها لافتاً إلى أنه سيشرف على ملتقى للنحت على الحجر سيقام بعد هذا الملتقى مباشرة في محافظة طرطوس أيضاُ.6

ومن اللاذقية أحب النحات محمد بعجانو التمسك برموز البحر فاختار نحت نورس غير مهاجر من خشب الكينا معتبراً أن جودة المنحوتة تكمن فى سرعة إعجاب المشاهد بها خلال الثوانى الأولى من النظر إليها.

ويرى أن الملتقى يوفر فرصة نادرة للتلاقي والتواصل بين أهل البيت الفني السورى معرباً عن أمله فى استمرار إيمان الفعاليات الاقتصادية الخاصة بمثل هذه التظاهرات الفنية لدعمها وإدراك أهميتها فى تطوير سوية الذوق الفنى للجمهور.

وخلال استغراق النحاتين الكبار فى العمل يتوزع الفنانون المتخرجون حديثاً من معاهدهم وكلياتهم لمراقبة العمل ومساعدة الفنانين فى التقاط الأدوات واستكمال بعض أجزاء العمل خلال الاستراحة الأمر الذى تجده الفنانة الشابة حنان الحاج محفزاً وممتعاً مشيرة إلى أنها شاركت قبل تخرجها من المعهد التقني للفنون التطبيقية فى العديد من الملتقيات لاسيما بقلعة دمشق إلا أن زيارة طرطوس والأمان الذي تنعم به والتعرف إلى نحاتين من عدة محافظات أضاف إليها مزيداً من الخبرة النوعية وحب العمل.

وتعبر زميلتها يارا المشوالي عن اعتزازها بدعوتها إلى الملتقى كمساعدة للنحاتين معتبرة أن سورية تحتاج إلى مثل هذه الملتقيات التي تضم أشخاصا من بيئات مختلفة ومدارس متنوعة توحدهم قدرة فريدة على بث الحياة فى خامات الخشب.

ويبدي عبد الستار عزوز أحد زوار الملتقى سعادة كبيرة بما يراه من عمل احترافى يذكره بورشته للحفر على الخشب في مدينة حلب معرباً عن أمله بالعودة وإحياء عمله الذي ورثه عن أبيه وجده مهما طال الوقت.

رزان عمران

انظر ايضاً

قلعة دمشق تحتضن منحوتات ملتقى (سورية جسر المحبة)-فيديو

دمشق-سانا اختتم ملتقى النحت على الخشب بعنوان “سورية جسر المحبة” لعام 2019 أيامه اليوم من …