ما يجب أن يقال

كعادتها، لم تكتف الدبلوماسية السورية، بالأمس، بوضع النقاط على الحروف، بل وضعت، الجميع أمام الوقائع والمسؤوليات والمسار الوحيد الممكن والناجع، في ظل سعي بعض وزراء خارجية الغرب للسير بالقرار الدولي “2170″ بحسب مصالحهم ورؤاهم، وسعي بعض “الأعراب” لجذب “لحاف” القرار المذكور لستر عوراتهم الإرهابية الفاضحة.

بالأمس، قالت الدبلوماسية السورية بوضوح: إن سورية، بالموقع الجغرافي والواقع الميداني والمسار الحضاري والمصير المستقبلي والدماء البريئة، أس هذه المعركة وأساسها، وبالتالي هي ليست جزءاً “إلزامياً” من التحالف الدولي-الإقليمي، الذي يجري الحديث عن ضرورة تشكيله لمحاربة الإرهاب بسبب قواها العسكرية والأمنية فقط، والتي أثبتت، والحق يقال، صلابة ونجوعاً في الميدان، بل إنها مكوّن طبيعي وأساسي في المواجهة، بنموذجها الحضاري المعاكس لـ “داعش” وإخوانه ورعاتهم وآبائهم، فهي من حذّرت قبل الجميع، وعانت أكثر من الجميع، والأهم، عانت من الجميع نكرانهم وتجاهلهم وخذلانهم، بل ومشاركة بعضهم في خلق هذا الوحش.

وإذا كان الصراع الغربي-الخليجي مع “داعش” حصراً، هو خلاف بين أفراد العائلة الواحدة، أو تعبير عن غضب والدين على ابن عاق تجاوز كل الحدود، أو مجرد محاولة لاستخدام الحرب ورقة قوة في المعادلات الداخلية، كحال “أوباما” مع الانتخابات النصفية المقبلة للكونغرس، خاصة وأن استطلاعات الرأي هناك غير مريحة لحزبه، وحال بعض حكام دول الخليج الذين “يغرف” “داعش” من نفس معينهم الفكري المتطرف، وبالتالي يشكل منافساً داخلياً جدياً على “كرسي الخلافة”، فإن الصراع بالنسبة لنا في سورية، وبالنسبة لكل متنوري المنطقة، على اختلاف عقائدهم السماوية والوضعية، هو صراع وجودي بالمعنى المادي والمعنوي للكلمة.

ما يقود إلى القول: إن “اعتقاد” البعض، مثل وزير خارجية بريطانيا، أن التعاون مع سورية “لن يكون عملياً وحكيماً وذا فائدة”، لهو دليل ساطع ليس على غياب الروح العملية فقط عن حكام الإمبراطورية، التي غابت عنها الشمس، بل عن غياب الحكمة في استشراف مستقبلهم أيضاً، فيما لو قدّر لهذه الجماعات الآتية من وراء التاريخ أن تنتصر على قلب النموذج الحضاري لبلاد الشام، التي، لم ولن تضع، كما قال الوزير “وليد المعلم”، أي شرط في وجه من يريد حقيقة مواجهة الإرهاب، سوى احترام السيادة، كما يقول القرار، والجدية في محاربة الإرهاب بكل صوره وتعيناته وتجلياته، سواء “القاعدة” أم “داعش” أم “النصرة” أم “الجبهة الإسلامية”، وما إلى ذلك من جماعات استهدف رعاتها، ومازالوا يستهدفون، ليس الحكومة السورية فقط، بل النموذج الحضاري السوري، كي يسهل لهم لاحقاً إدخال المنطقة في حروب الهويات الممزقة الوحشية للمئة عام المقبلة.

ولأن الأمر كذلك، فإن ضرورات اللحظة، ومنطوق القرار الدولي، يفترض القول علناً: إن محاربة “داعش” يفترض حرباً شاملة على عدة مستويات، فإذا كان المستوى الأمني المباشر يقتضي أولاً منع “أردوغان” من الاستمرار في دعمهم بالاتجاهين: إدخال الرجال والسلاح، وإخراج النفط المنهوب وتصريفه عبر أراضيه ورجاله وشركاتهم، ومنع دول خليجية من تمويلهم بالسلاح والرجال والمال، فإن المستوى الفكري الحضاري للمعركة، يقتضي إعلان الحرب العاجلة على الفكر الإرهابي ومؤسسات تسويقه الدينية والتربوية والإعلامية في بعض دول الخليج، وفي مواقع التواصل الاجتماعي الموجودة في “جيب” المخابرات الأمريكية بشكل كامل وتام، كما كشف “سنودن” وقبله “ويكيليكس”.

إذن، قالت سورية ما يجب أن يقال، وأعلنت جهوزيتها التامة “للتعاون والتنسيق على الصعيدين الإقليمي والدولي في مكافحة الإرهاب”، بيد أنها لن تنتظر الجواب، وكما عملت، مع أصدقائها الخلص، ولمدة ثلاث سنوات ونيف، ما يجب أن يعمل، فستستمر في العمل، لأن المعركة اليوم هي معركة وجودية للنموذج الحضاري المتنور، وهي مواجهة لم تتهرب منها في ما مضى، ولن تتراجع عنها اليوم أيضاً.

بقلم: أحمد حسن