اللاذقية-سانا
تعانق مياه مدينة بانياس الدافئة تماثيل رملية صاغتها أنامل مبدعة تعود للفنان علي معلا فانصرف جمهور الشاطئ عن ورود البحر ليبحروا في تفاصيلها التي نطقت قصة الولادة السورية الجديدة .
ويقول معلا: “أولد مع ولادة كل عمل فني أنجزه كلما لمعت الفكرة في خاطري وأحيا بها عندما اترجمها إلى واقع منحوتة كانت أم لوحة والفرق بين موتي وموت الآخرين أنني لا أفنى بفنائها أو زوالها بموجة عابرة ففي كل لحظة تولد فكرة جديدة تعيد ألق الحياة في خاطري بالصبر والأمل”.
ويتابع معلا لـ سانا: “إنني أقرأ فني وأجد نفسي في عيون الآخرين وتحديدا في عيون الأطفال فالأطفال جمهوري الأول يشيدون معي تماثيلي الرملية والقلاع والأبراج ما يترجم إقبالهم على تقبل ثقافة البناء وخصوصا عندما تمتزج بالفن إنهم مبدعون بالفطرة حتى ان إحدى لوحاتي الشاطئية سميتها موجة أطفال لكثرة من تجمع حولها منهم”.
ويضيف معلا: “إن الفن العفوي والفطري يبدأ من الخط فقد كانت بدايتي من دفاتري المدرسية التي ملأتها بالخطوط والأحاسيس المدعومة بالعفوية فمنذ أن كان عمري سنوات بدأت وأخي برسم رجل صغير جدا على أحد جدران المنزل كي لا تلحظه أمي وكنا في كل لحظة نمحو أحد أعضائه لأنه لا يناسب الأعضاء الأخرى حتى ملأ الرجل فراغ الجدار وأصبح كبيرا جدا”.
وها هو معلا اليوم يملأ فراغ الشاطئء بفن أصيل وتاريخ يلخص مشواره الفني بتقاسيم تمثال أو أجزاء قلعة سورية صمدت عبر الزمن.
ومتابعو فن معلا ينسبون فنه إلى مدرسة الفن السريالي فمن شجرة باسقة متفرعة الأغصان يخرج وجه فتاة يافعة ومن جذورها تنبثق ساقا امرأة وأي وجه يمكن أن يرتسم في مخيلته ينقشه على حجر أو يصوغه من خشب أو يشيده بالرمال.
ورهافة حس معلا وعنفوانه ووطنيته تنعكس على إنتاجه الفني فالجندي السوري اليوم يحتل حيزا كبيرا في منحوتاته كما وجوه المحاربين القدماء وتماثيل الجنود على رمال الشاطئء تكاد تنطق ولا ينقصها سوى قلب ينبض لتلتحق برفاقها في أرض المعركة حتى ان بعض متابعيه حاولوا إزالة الطبقة الأولى من الوجه الرملي ظنا منهم أنها قناع لوجه إنسان حقيقي والقلاع السورية تحتل أيضا زوايا مهمة في فنه والمنحوتة الأهم تلك التي جمعت كل القلاع من شمال سورية إلى جنوبها من قلعة حلب مرورا بالمرقب وصلاح الدين انتهاء بقلعة دمشق وعندما انهار أحد أبراجها بفعل موجة عابرة على الشاطئ تركه دون إعادة بناء ليبقى شاهدا على يد الإرهاب الآثمة وكتب على أحد جدرانها “سورية ستعود” وكذلك أهم تماثيله تمثال المعري الذي بدا مفتوح العينين مبصرا ليكون شاهدا حيا على ما فعلته يد الإرهاب برمزيته .
ويمثل فن معلا نموذجا لفنان مقاوم يتمتع بالصبر والقوة فهو يقول ان الفنان لا يمكن أن ينفصل عن موطنه وجغرافيته حتى لا يفقد الإحساس بالآخر وهذا يظهر بشكل جلي في لوحاته التي يعدها لمعرض مقبل والتي تحكي معظمها قصة المرأة السورية التي عانت من الأزمة وأثبتت قوتها وجدارتها حيث يؤكد أنها هي الأصل أصل الوجود والصمود .
ولوحات معلا التي أنجزها بعيدا عن ضجيج الشاطئء تضج بالألم والجراح اللذين خلفتهما الأزمة والعدوان على البلد وذلك في مزيج من الماضي والحاضر مع رؤية واثقة بمستقبل أفضل فمعظم تحفه الفنية ولدت من رحم الأزمة وأكثرها تميزا لوحة تمثل ساقي أنثى عاريتين بجانب جذع شجرة راسخة الجذور وحولها أوراق متساقطة ملطخة بالدماء.
والفنان النحات علي معلا من مواليد 1970 درس الفن في أحضان أسرته فوالدته فنانة دون لوحة ووالده شاعر دون قصيدة لم ينتم إلى أي مدرسة أكاديمية إلا أن موهبته صقلت من خلال مشاركاته بأعمال درامية وتلفزيونية وسينمائية ومعارض عالمية أهمها مهرجان أبو ظبي العالمي للنحت على الرمال عام 2011 حيث حازت فيها منحوتته “جنازة نخلة” بطول 12 مترا الجائزة الأولى إلا أنه حرم من الاستحواذ عليها بسبب وطنيته وحبه لسورية .
كما شارك في مهرجان فردي للنحت على الرمال تحت عنوان “وجوه من الرمال” في مدينة بانياس عام2010 وأهم مشاركاته السينمائية كانت في فيلم “ملك الرمال” عام 2012 للمخرج السوري العالمي نجدت اسماعيل أنزور حيث شيد بناء مماثلا لقصر الملك السعودي المسمى بالمصمك فجاء مطابقا له بكل التفاصيل ما أذهل جمهوره المتابع.
وله مشاركات كثيرة منها مسلسل “سر النوار” في البتراء بالأردن و “المحروس” في معلولا و “سقف العالم” في مشقيتا عام 2007 كما نفذ نموذج كأس الدورة العربية لكرة السلة في سورية وله مشاركات شعبية وجماهيرية أهمها أسطورة من صنع الناس في سورية الكفرون عام 1988.
ويختم الفنان حديثه بالقول: “أن أكبر إنجازاته التي يفتخر بها قيامه بإحراق حذاء كان قد وطئ به أرض قطر الملطخة بدماء السوريين قبل عشر سنوات خلال قيامه بإنجاز ديكورات أوبرا ابن سينا”.
صبا العلي