تدور واشنطن هذه الأيام في دوّامتي تجربتين صعبتين، لا يبدو أنَّ الخروج منهما سهلاً أو ممكناً في ظلّ معطيات الظرف الراهن، في وقتٍ كانت بدايات الخوض فيهما مغلّفة بنفحات الحلم الاستثماري الواعد، رغم شكل المغامرة المحفوف بالمخاطر، إلّا أنَّ الأمريكي أدمن المغامرة، فهي عنوان بداية النشوء في أعراف “القراصنة الجدد” وفي تكوينهم الجيني أيضاً.
فإن استنفرت كلّ الولايات الأمريكية مخابرها اليوم لتطوير فيروس إيبولا وبحث آفاق استثماره بإنتاج اللقاحات باهظة الثمن، تحت عنوان محاصرة المرض، لا نعتقد أن جذوة الاستثمار غائبة عن “المخابر” الافتراضية لواشنطن هنا، والمخصصة لـ “فئران” الجماعات الإرهابية في سورية والعراق ومؤخراً لبنان، مع سلسلة من المخابر الأخرى قيد الإحداث قد يُعلن عنها قريباً.
لن نتحدّث عن “داعش” بوصفها أحدث رافع لراية الإرهاب والتصفية الحضارية والإنسانية، فثمّة إخوان أكبر سنّاً لهذا التنظيم المفترس أمريكيو المواليد والهوية، لا يجوز غضّ الطرف عنهم، أسّسوا لخارطة الطريق ذاتها التي تسلكها عصابات التنظيم الجديد، وهذا ما تؤكّده دراسات وشهادات المطّلعين، وكذلك اعترافات المعترفين من الساسة والعاملين في دهاليز المخابرات الأمريكية، ولعلّ ما أدلت به هيلاري كلينتون في كتابها “خيارات صعبة”، حديث الصدور، ليس أولّ اعتراف بالجريمة ولن يكون الأخير، فالقادمات من الأيام والسنوات ستصفع العالم بالمزيد من المفاجآت الصاعقة، عن حقائق قذارة ما دار ويدور في كواليس المطبخ الأمريكي وطقوس إعداد طبخات السم وتوزيعها على حيث مطارح مقتضيات المصلحة الأمريكية في هذا العالم.
وكان اللّافت للاهتمام في سرديات هيلاري، صدمتها بإطاحة الجيش المصري حكم محمد مرسي، وبالتالي اختلاط الأوراق على غير ما تقتضيه فصول السيناريو الأمريكي، وهي حيثيّة ترتقي لدرجة الموعظة حول ماذا تعني مفردة جيش عربي ودلالاتها في الترجمة الأمريكية، ومن هنا كان وازع الإصرار على تفكيك الجيش العراقي إبّان حقبة احتلال العراق، ومساعي ضرب الجيش العربي السوري الآن بكوادره وبناه التحتية، عبر الأذرع الوهابية، وربما علينا أن ننتبه إلى أن عمليات استهداف الجيش المصري قد بدأت وبالأدوات ذاتها التي تُستخدم في سورية، والحال ذاته في العراق وكذلك لبنان أيضاً.
بالأمس أعلنت واشنطن عن غارات على مواقع لـ “داعش” في العراق دون إشارة إلى نتائج الاستهداف، وكانت الإشارة هي المهم، وليس النتائج، إذ أعقب ذلك تصريحات تتحدّث عن استعداد الأمريكي لمساندة الجيش العراقي بغارات مماثلة في حال بلورة حكومة توافقية، دون شروحات حول ماهية التوافق المطلوب، والأطراف التي سيُدفع بها -دسّاً- إلى هكذا حكومة.
وكم تبدو المقاربة هنا ضرورية، بين استنساخ فيروس إيبولا واشتراطات بيع لقاحاته ابتزازاً، وبين إنتاج “الجراد” التكفيري واستخدامه كورقة ضغط واستلاب للسيادات الوطنية!.
الواقع أننا أمام موقف ذي بعد مصيري بكل معنى الكلمة، فالأمريكي بدأ حملة تطهير ضد كل ما هو حضاري وإنساني في بلاد الشام مستثمراً أموال “آل محمد عبد الوهاب” وحقدهم على هذه المنطقة الثرية حضارياً، ولا نظن أنَّ المسألة تقف عند حدّ مجرد استنزاف البنى الحكومية والعسكرية، بل ثمة تهديد لكل بشري بقي يعيش على هذه الرقعة المقدّسة التي اسمها سورية، وأمام معركة المصير هذه على كل سوري أن يكون مستعداً ليحمل السلاح في وجه جحافل الجراد المدجّن، التي تتسلل إلى بلادنا.
ونعود إلى “خلطة” إيبولا وداعش، فبما أنّ اختبارات تطوير الفيروس ومواكبته باللقاحات “المأجورة” أفضت إلى إصابات بين الأطباء” طباخي السم” ربما لن يبرؤوا منها، علينا أن نسأل عن نصيب الأمريكي من ارتدادات إرهاب من دجّنهم وأنتجهم تماماً كما أنتج أخطر الأوبئة الفتاكة؟!.
نسأل ونحن على يقين من أنَّ طباخ السم لابد سيتذوقه يوماً، وتبقى العبرة في عامل الزمن، ليس إلّا.
بقلم: ناظم عيد