عندما يتفاجأ العالم بفوز أردوغان في الانتخابات التركية المبكرة، بعد شهرين من الانتكاسة والسقوط المدوّي للعدالة والتنمية، فهذا يعني أن السلطة تركّزت بأيدي من لا يستحق، وأن النتيجة التي حصلت يكتنفها كثير من الملابسات، رغم التسليم بحكم صناديق الاقتراع.
فخلال نحو ثلاثة عشر عاماً من حكم حزب العدالة والتنمية مرّت تركيا بمرحلتين: الأولى تغيّرت فيها تركيا وأصبحت من الدول الأكثر تطوّراً في العالم، عندما سلكت طريق الحوار والتفاهم مع دول الجوار، وخاصة سورية، لكن عقلية أردوغان الطورانية، وأحلامه التي تتجاوز حجم تركيا، وفكره الإخواني القائم على إلغاء الآخر، داخلياً وخارجياً، جعلته يرتكب، ورئيس حكومته داوود أوغلو، أخطاء استراتيجية، خلال السنوات الخمس الماضية، أدّت إلى نسف ما بنوه، وباتت البلاد على حافة الانفجار.
ومثلما كانت سورية بوابة الانتعاش لتركيا خلال سنوات حكم أردوغان الأولى، كانت مواقفه منها وإعلانه الحرب عليها منذ بدء ربيع الخراب سبباً في ارتدادات سلبية، يأتي في مقدّمتها انهيار شعبية أردوغان لدى طيف واسع من الشعب التركي، الذي عارض منذ البداية تحويل بلده إلى قاعدة إرهابية لاستهداف شعب سورية، فكسب أردوغان من ذلك كل إرهابيي العالم وخسر استثمارات وتبادلات تجارية بمليارات الدولارات، والتي أدّت إلى خسارة العملة التركية نحو 20 بالمئة من قيمتها، وتبدّد أصدقاء تركيا، حيث تحوّلت من “صفر مشاكل”، وفق استراتيجية داوود أوغلو، راسم السياسات التركية، إلى اثنين أصدقاء: دويلة قطر والتنظيمات التكفيرية بمختلف مسمياتها.
فهل بعد هذه الأخطاء يستحق أردوغان الفوز في الانتخابات بأغلبية مطلقة؟. الجواب قطعاً لا، ولكن الظروف التي تمرّ بها المنطقة في هذه المرحلة جعلت حكومة العدالة والتنمية تقدم على تجاوزات صنفتها في خانة حماية الاستقرار في البلاد من الفوضى التي عمّت المنطقة، فاتبعت سياسة كم الأفواه، وباتت تركيا أكبر معتقل للصحفيين في العالم، وأغلقت وسائل الإعلام المعارضة،
وحتى صفحات التواصل الاجتماعي، وافتعلت عدّة حوادث أمنية جعلت الشعب التركي يَقبل على مضض بحكم أردوغان في إطار بحثه عن الاستقرار. ناهيك عن خطوات قام بها حزب أردوغان في سياق بحثه عن الوصول إلى النتيجة التي وصل إليها، منها: استقطابه عدداً من نواب الحركة القومية الخاسر الأكبر في الانتخابات الأخيرة إلى صفوفه، مستغلاً الانقسام الداخلي داخل الحركة، وكذلك منح بطاقات انتخابية مزوّرة لناخبين من أصول غير تركية للتصويت لحزبه، وهذا بالمجمل أدّى إلى ما آلت إليه الأمور وتحقيق الانتصار الصوري.
ولكن هذا لا يعني أن طريق المرحلة القادمة من حكم أردوغان ستكون مفروشة بالورود، في ضوء ما يعمل عليه “سلطان الدواعش” للاستفراد بالسلطة، بتحويل نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي، والذي سيؤدي بالضرورة إلى بروز نزعات قومية وعرقية داخل تركيا، وربما استشراء الفوضى بعدما أعلن أردوغان الحرب على كل من يطالب بحقّه داخل تركيا، أو يعارض سياساته، وهذا سيفضي إلى تحويل تركيا إلى دولة فاشلة.
يحتاج أردوغان إلى 13 مقعداً إضافياً في البرلمان لتعديل الدستور، وفق ما يشتهي، والرقم برمزيته، كدليل شؤم، قد يودي بتركيا نحو مزيد من الانقسام واحتدام الصراع الداخلي في ضوء عودة الإرهابيين من سورية، والذين ربما يستكملون أنموذج أردوغان “الديمقراطي” على الأراضي التركية. وعليه فإن لم يبدّل حزب العدالة والتنمية من سياساته تجاه شعبه ودول الجوار في ضوء التحوّلات الاستراتيجية التي تعصف في العالم سيتحوّل الفوز المفاجأة إلى كابوس يقضّ مضاجع أردوغان.
وبالتالي فإن تركيا اليوم على مفترق طرق، إما العودة للغة العقل ووقف دعم الإرهاب والتدخل في شؤون دول الجوار، وفي هذا مصلحة لتركيا، كما لدول الإقليم، أو الاستمرار في السياسات التي ينتهجها الآن، وهذا يعني تفاقم مشاكل تركيا داخلياً وخارجياً.. الأيام أو الأشهر القليلة القادمة ستوضح أي طريق سيسلك.
عماد سالم