الشريط الإخباري

مسلسل بواب الريح.. رؤية تاريخية اجتماعية للبيئة الشامية بقالب فني متمكن

دمشق-سانا

يحقق مسلسل بواب الريح المعادلة الصعبة عبر تقديم دراما مشوقة عن البيئة الشامية ضمن سياق تاريخي واقعي عبر صورة متطورة ومعبرة وأداء تمثيلي متمكن طارحا لفتنة عام 1860 التي حدثت في جبل لبنان وامتدت تفاعلاتها لاحياء دمشق المسيحية والتي كان وراءها الدول الغربية بمباركة من الدولة العثمانية لمحاصرة صناعة الحرير الشامي المنافس لصناعة الحرير الأوروبي في ذلك الوقت.
وإذا أردنا تصنيف العمل فهو مسلسل أقرب إلى الاجتماعي البيئي التاريخي البعيد كل البعد عن الفانتازيا الشامية في الدراما خاصة مع طرحه لمشكلة حدثت في التاريخ تحاكي الأزمة التي نعيشها ويراد من ذلك قراءة العبر منها بطريقة فنية غير مباشرة.
على صعيد النص استطاع الكاتب خلدون قتلان الاستفادة من الحتوتة الشعبية والأحداث التاريخية الموثقة لتقديم حبكة درامية مشوقة ومليئة بالتفاصيل المنتمية للبيئة الشامية دون بهرجة زائدة أو مبالغة فجة فأتت مجريات الأحداث منطقية متتالية وتحمل عنصر التشويق بعيدا عن الملل والحشو رغم كثرة الأشعار على لسان الممثلين والتي وظفت بطريقة جميلة أضافت للفعل الدرامي بعدا عاطفيا ومسحة تراثية وشعرية مميزة.
كما تمكن الكاتب من تحقيق توازن بين الشخصيات على مستوى الحضور في السيناريو والحوار فكانت البطولة جماعية من حيث المحرك الدرامي ما أعطى مساحات جيدة لأغلب الممثلين ولم تغلب شخصية على بقية العناصر في العمل ولكن من ناحية أخرى يؤخذ على النص ابتعاده عن اللهجة الشامية الحقيقية التي كانت سائدة في تلك الحقبة ومحاولته تقديم اللهجة البيضاء مع استخدام غير كاف لبعض المصطلحات والمفردات المستخدمة في ذلك الوقت ككلمة “زوزي” بدلا من “زوجي” على سبيل المثال ما أبعد النص عن لهجته الأصلية وأفقده حقيقة انتمائه للمجتمع الشامي عبر لهجة أهله.
وجاء الإخراج متميزا بقدرته على تقديم صورة معبرة عن النص فقدم المخرج المثنى صبح رؤية سينوغرافية وفنية متميزة قريبة من الحلم ما صنع له إسلوبية خاصة في هذا النوع الدرامي بعد عمله ياسمين عتيق في العام الماضي وهنا كان للإضاءة والتصوير دورا حساسا فحركة الكاميرا ضمن الكادر تمتعت بالرشاقة والانسيابية في فضاء الأحداث والإضاءة أضافت طاقة من الألوان للصورة التي أتت مريحة للمشاهد ومنسابة لا تحمل أي تشويش.
وظهرت قدرة المخرج صبح من خلال إعطاء مساحات واسعة لأداء الممثلين فتفاعلوا في إطار النص مقدمين أداءا متماسكا ومتكاملا فيما بينهم كما عالج الأحداث بطريقة إخراجية منطقية فكان هناك تمكن في المشاهد الجماعية ومشاهد الحركة والمعارك إلى جانب تميز كوادر المنولوجات مع الأداء الشعري.
من ناحية أداء الممثلين فقد نجح المخرج في اختيار الممثل المناسب لكل شخصية فقدم كل واحد منهم أداءا مقنعا ومتمكنا حتى في الأدوار الصغيرة فلم يقل أداء الفنانين الشباب الذين كانوا بعدد لابأس به عن أداء أصحاب الخبرة مع تميز واضح للكبير دريد لحام في الشخصية اليهودية يوسف آغا شيخ كار النحاسين ما أعطى إضافة كبيرة للعمل ككل إلى جانب الأداء المتمكن للفنان غسان مسعود في شخصية أحمد أغا والأداء الجميل للفنانة ضحى الدبس بشخصية أم نذير.
ومما زاد في متعة المشاهدة الأداء الجميل لشخصيتي التؤم الملتصق شفيق ورفيق من قبل الفنانين مصطفى الخاني ومعن عبد الحق اللذين أعطيا مساحة من الفكاهة وخفة الظل للحلقات عبر الأحداث والمفارقات التي مرت بها شخصيتيهما فقدما كوميديا موقف خفيفة أمتعت المشاهد دون إسفاف أو مبالغة ضمن سياق درامي متكامل للأحداث ودون إقحام مفتعل.
الأمور الفنية الأخرى من ديكور وأزياء ومكياج وشعر وإكسسوار وغيرها كانت احترافية وواقعية وخالية من الأخطاء ما ساعد على زيادة درجة المصداقية للأحداث وركيزة أساسية لأداء الممثلين ونجاح الصورة وصبت كلها في خدمة العمل ككل.
ومن أكثر النواحي التي أضافت للعمل كانت موسيقا طاهر ماملي التي اتسمت بالحساسية القريبة من الحدث الدرامي والتي اتسمت بالتنوع واعتمدت على الوتريات بشكل خاص إلى جانب الإيقاع الشرقي وجاءت أغنية الشارة بكلمات الكاتب ذاته وبصوت كل من ليندا بيطار وحسين عطفة لتعطي المسلسل هوية سمعية خاصة إلى جانب هويته البصرية المميزة.
يمثل عمل بواب الريح تطورا حقيقيا للدراما السورية عبر تناغم المحتوى مع الصورة والأداء والمتممات الفنية الأخرى ويأتي في وقت بدأت فيه بوصلة الصناعة الدرامية السورية بالتشويش والابتعاد عما يحتاجه المشاهد السوري في هذه المرحلة ليرى بشكل أوضح واقعه بقالب فني راق.
محمد سمير طحان