يستجمع الإرهاب قواه داخل فلسطين المحتلة وخارجها في سورية تحديدا ليضرب بقوة وعنف فيهما، في تأكيد واضح لحالة الارتباط القائمة بين فلسطين وسورية، لكون أن الأخيرة (أي سورية) لا تزال تمثل البوابة المستعصي فتحها على معشر المتآمرين لبلوغ الأهداف الاستراتيجية وإنجاز مشروع ما يسمى “الشرق الأوسط الكبير”، فالاستعصاء الذي تمثله سورية في وجه معسكر التآمر والعدوان ومن معها من الشرفاء الداعمين لها في وجه المؤامرة، والمدافعين عن الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، لا يزال يمثل شوكة في حلق المتآمرين وبخاصة الطرف الأصيل في المؤامرة ونعني به كيان الاحتلال الإسرائيلي قطب الرحى الذي يدير وتدار معه ولصالحه مشاريع التدمير والتفتيت والخراب والتهجير في الدول العربية التي خطَّت بدماء شهدائها تاريخًا مشرفًا، وخاطرت بل وضحت بأمنها القومي من أجل قول “لا” للاحتلال الإسرائيلي و”لا” لتصفية القضية الفلسطينية” و”لا” لاغتصاب القدس وأقصاها الشريف.
ولعل مفارقات الأشياء والأحداث هي الدالة على تكامل أذرع الإرهاب ومحاولة تجميع قواه وعصاباته وداعميه، ولا يحدث ذلك إلا حينما يشعر بتكسر المزيد من عظامه وتهشيم جماجمه الصماء الخاوية من أي فكر وعقل، وهرس أجساده النتنة والدعس على المزيد من العملاء والخونة من المرتزقة والإرهابيين والتكفيريين من قبل الجيش العربي السوري.
فالعدوان الذي شنَّه كيان الاحتلال الإسرائيلي للمرة الثانية على القنيطرة في الجولان السوري المحتل، متسببا في قتل خمسة سوريين، يأتي في إطار تحولات ميدانية حازمة وحاسمة أخذت تشق طريقها على الأرض السورية بقيادة الجيش العربي السوري والمقاومة اللبنانية، سواء في الزبداني أو في حماة ودرعا أو في الشمال السوري، ما يعني أن الرهانات على هذه العصابات الإرهابية الذراع الأساسية لكيان الاحتلال الإسرائيلي والمدعومة من قبله والعاملة بأمره وفي مقدمتها ما يسمى “جبهة النصرة”، بدأت تتهاوى وتتساقط أمام أعين المحتلين الصهاينة وعملائهم وحلفائهم جراء الضربات الدقيقة والعميقة والفعالة للجيش العربي السوري والمقاومة اللبنانية، وبالتالي سقوط أحلام ما يسمى “المناطق العازلة أو الآمنة”. ولذلك الذريعة المثيرة للسخرية التي برر بها كيان الاحتلال الإسرائيلي عدوانه الإرهابي على القنيطرة والزاعمة بأن أربعة صواريخ أطلقت من الجولان السوري المحرر باتجاه المستعمرات الإسرائيلية، ملقيا بمسؤوليتها على حركة الجهاد الإسلامي التي هددت المحتلين الصهاينة برد إذا ما استشهد الأسير محمد علان المضرب عن الطعام، وأنها في حل من التهدئة، اختلقها (أي الذريعة) سعيا منه لتحقيق عدد من الأهداف منها خلط الأوراق والتشتيت والتشويش على الجيش العربي السوري والمقاومة اللبنانية، ومحاولة رفع المعنويات المنكسرة والمنهارة لأذرعه الإرهابية من “النصرة وداعش وأحرار الشام واليرموك وغيرها”، وليتخذ ذلك مبررا أيضا لاستهداف حركة الجهاد الإسلامي ومحاولة الاستفراد بها، في الوقت الذي تشير فيه الأنباء عن مفاوضات سرية وغير سرية مع حركة حماس عبر حلفاء وعملاء لهدنة طويلة الأمد.
على أن العدوان الإرهابي الإسرائيلي الجديد لن يكون الأخير، وإنما جاء ليفتح صفحة جديدة في سلسلة طويلة من المؤامرات لا تنتهي تحاك ضد سورية، وتفضح كل ما يروج له الآن من ديمقراطية وحرية وحقوق إنسان وإلى آخره من الأكاذيب التي يؤكد تسليم معبر القنيطرة للجماعات الإرهابية أن هناك تنسيقا عاليا بين كيان الاحتلال الإسرائيلي وبين تلك الجماعات، وبالتالي ما يمكن الخلوص إليه هو أن في جملة المواقف الغربية حول الإرهاب والعلاقة العضوية مع التنظيمات الإرهابية ليس هناك ما يؤكد صدق النيات وصحة الأقوال الأفعال.
افتتاحية صحيفة الوطن العمانية