الشريط الإخباري

نازك الملائكة وهاجس الموت.. محاضرة للناقد نزار هنيدي في ثقافي جرمانا

دمشق-سانا

قدم الناقد نزار هنيدي محاضرة بعنوان نازك الملائكة وهاجس الموت مساء أمس في ثقافي جرمانا بالتعاون مع فرع اتحاد الكتاب العرب لريف دمشق حيث تطرق إلى تجربة الشاعرة الراحلة نازك الملائكة وتعاطيها مع الحداثة في الشعر ودورها النهوضي في هذا السياق والذي كان له بالغ الأثر في ولادة الحداثة في الشعر العربي المعاصر مع النصف الأول من القرن العشرين.

وقال الناقد هنيدي.. كانت الشاعرة الراحلة نازك الملائكة منعزلة في حياتها عن صخب الإعلام والوسط الأدبي وهي بعزلتها عبرت عن أزمة الحداثة في الشعر العربي المعاصر والتي كانت هي عرابتها على الرغم من كثرة الأيدي التي ساهمت في عملية ولادتها والتي كان من المتوقع لها أن تلعب دوراً حاسماً في نهضة الثقافة العربية وتجديد العقل العربي وتقدم الأمة واسترجاع مكانتها التاريخية تحت شمس الحضارة الإنسانية فإذا هي تخبو وتخبو معها جميع المحاولات النهضوية التي لمعت بروقها في النصف الأول من القرن العشرين.

وأوضح المحاضر أن كثيرا من الشعراء والباحثين حاولوا التشويش على دور الشاعرة الملائكة في ريادة الحركة الشعرية الحديثة لاجئين إلى اعتماد القياس الزمني في تقديم عدد من النصوص التي كتبها بعض الشعراء على نهج الشعر الحر أو قصيدة التفعيلة قبل ظهور قصيدة الكوليرا التي كتبتها نازك يوم 27-10-1947 مبيناً أن القياس الزمني وحده لا يمكن أن يكون العامل الحاسم في تقرير ريادة التأسيس لحركة الحداثة.

وقال.. إن الأهم في معيار تحديد الريادة هو وعي التجديد الذي عبرت عنه نازك في مقدمتها لديوانها شظايا ورماد الذي صدر صيف عام1949 وطورته فيما بعد في كتابها شديد الأهمية قضايا الشعر المعاصر الذي صدرت طبعته الأولى عام1962 لافتا إلى أنها تعرضت إلى الظلم مرة أخرى عندما ادعى عدد من الحداثيين أنها “ارتدت” عن حركة الحداثة حينما حاولت أن تضع نواظم جديدة لها.

وأكد هنيدي أن نازك الملائكة شعرت بحسها العالي خطورة الانفلات الذي راق لكثير من الأدعياء أو أنصاف الموهوبين وأدى إلى إنتاج كثير من النصوص التي لا يربطها بالشعر الحقيقي رابط وهو ما بتنا نرى عواقبه الوخيمة على الشعر العربي في يومنا الراهن.

أما الظلم الأشد الذي تعرضت له الشاعرة الكبيرة فهو أن النقاد والباحثين الذين أغرقوا في تفنيد علاقتها بقضية الريادة لم يولوا شعرها ما يستحقه من الدراسة ولم يفطنوا إلى مسألة شديدة الأهمية وهي أن النزعة الرومانسية التي ظهرت بوادرها في الشعر العربي منذ جبران خليل جبران إلى علي محمود طه وابراهيم ناجي وبقية شعراء مدرسة /أبولو/ ستجد تجليها الأرقى والأسمى في شعر نازك الملائكة بشكل نستطيع معه الزعم بأن التجربة الشعرية للملائكة تعد التجربة الرومانسية الأكثر اكتمالاً في الشعر العربي الحديث بحسب رأي هنيدي.

وأشار هنيدي الى ان هاجس الموت لازم الشاعرة الراحلة منذ صباها وكان موجودا في جميع مجموعاتها الشعرية معبرة عنه بأشكال متعددة وعارضة له في أحواله المختلفة وباحثة في ماهيته ومنقبة عن أسراره فكانت نافرة منه تارة لأنه نقيض الحياة والحب والجمال ومقبلة عليه تارة أخرى لأنه الملاذ الأخيرة وطريق الخلاص الوحيد من قسوة الواقع وبشاعته ووحشيته لافتا إلى أنها في قصيدتها في وادي العبيد من ديوان عاشقة الليل لا ترى من الحياة غير الدياجير فظلام العيش لم يبق شعاعا وليس من معنى للطموح أو للرجاء في عالم ينفي المثل العليا ويحطم الأحلام ويحتدم الشر فيه ليصبح طبع البشر كلهم فهؤلاء المقيدون بسلاسل الرغبات المادية ليسوا سوى عبيد لشهواتهم.

وقال..في موقف شعري يقترب من الإعجاز الفني حقا تصف الشاعرة حالة الذهول التي انتابت العاشق عند سماعه خبر موت محبوبته إذ بقي جامداً يرمق أطراف المكان شارداً عن كل ما حوله إلى أن علق بصره بخيط صغير شد إلى شجرة السرو فيرى الخيط حبالاً من جليد عقدتها أذرع غابت منذ آلاف القرون ويصير الخيط معادلاً لموت الحبيبة أو معادلاً للحب الضائع ذلك الخيط الذي يطوي ألف سر سيبقى معلقاً في ذهن القارئء رمزاً لأسئلة الوجود الكبرى أسئلة الحب وأسئلة الموت حيث تقول..

ويراك الليل تمشي عائداً..
في يديك الخيط والرعشة والعرق المدوي
إنها ماتت.. وتمضي شارداً عابثاً بالخيط تطويه وتلوي
حول إبهامك أخراه فلا شيء سواه
كل ما أبقى لك الحب العميق
هو هذا الخيط واللفظ الصفيق
لفظ ماتت وانطوى كل هتاف ما عداه.

وختم الناقد هنيدي بالقول أن نازك الملائكة قد ترجمت قصيدة “مرثية مقبرة ريفية لجراي” ترجمة شعرية كاملة أثبتتها في ديوانها الأول عاشقة الليل كما ترجمت لعدد من الشعراء الرومانسيين مثل.. بايرون وكيتس ولا يعني ذلك أن الشاعرة في اهتمامها بموضوع الموت كانت تقتفي أثر هؤلاء الشعراء بل يعني أن طبيعتها الشفافة وميولها النفسية وظروف نشأتها وحياتها وروحها المطبوعة على الشعر والتأمل وحب الجمال وثقافتها الواسعة واطلاعها على النتاج الشعري الرومانسي الإنكليزي بشكل خاص وتمثله تمثلاً متفاعلاً مع مكنونات ذاتها وشخصيتها وخبرتها كل ذلك جعل من تجربتها تجربة رومانسية أصيلة بل ربما يصح الزعم
أن تجربة الملائكة هي التجربة الرومانسية الأكثر اكتمالاً في الشعر العربي المعاصر.

محمد الخضر