إرهابيون في حقائب الدبلوماسية..!!-صحيفة الثورة

لم تعد الأسئلة الصعبة التي تطرحها إشكاليات الوجود الإرهابي سراً، بعد أن تفشى بطريقة لم يعد أحد بمنأى عن خطره، حيث برز التحدي الأكبر لدى دول العالم من شبكات التجنيد للإرهابيين، وقد أعلن بعضها على الأقل عن انتشار موبوء لها، حيث تم تفكيك بعضها وملاحقة بعضها الآخر.

وكان اللغز المحير -كما زعمت مراكز بحوث ودراسات غربية- في الطريقة التي تتبعها تلك التنظيمات وتمكنها من تجنيد هذا الكم اللا متناهي من المتطرفين والإرهابيين من جهات الأرض الأربع، وسط تكتم على كثير من المعلومات المتداولة عن شبكات تجنيد للإرهابيين تدار من حكومات في المنطقة، وتمارسها دبلوماسياتها في وضح النهار، وعلى رؤوس الأشهاد وتحديداً في شرق آسيا وبعض الدول الأوروبية.‏

ما تناقلته بعض المواقع الإعلامية عن دور تركي في تجنيد الإرهابيين يصل إلى حدود تورط دبلوماسييها في ذلك، يطرح الإشكالية من بابها الواسع، وربما يمهد الطريق للإجابة عن جزء من تلك الأسئلة، حيث كان لافتاً أن تخرج تلك المعلومات من مسؤولين أمنيين صينيين إلى العلن رغم ما يعرف عن دبلوماسيتها الهادئة التي اكتفت غالباً بمواقف تعبر عن القلق وملامح الخشية من تطور المشهد الإرهابي وامتداداته، وما يشكله من تحدٍّ للمجتمع الدولي بمعيار المحاكاة المنطقية للتطورات، واستعاضت عنها بعمل عبر القنوات الأممية والثنائية مع الروسي في معالجة ما استطال من أدوار وممارسات على الساحة الدولية.‏

والتجنيد هنا ليس بمنطوق المساهمة المباشرة أو المساعدة اللوجستية في انضمام مواطنين صينيين إلى التنظيمات الإرهابية فحسب، بقدر ما يحاكي حالة غير مسبوقة من الأدوار المشبوهة لحكومة العدالة والتنمية التركية في تجاوز الأعراف الدبلوماسية والعلاقات المعمول بها بين الدول، إلى مهمة تزوير جوازات السفر وإصدار هويات، وإقامة شبكة متكاملة من شركات البيع والشراء للمرتزقة والإرهابيين بطريقة غير مسبوقة، في تورط للدبلوماسية التركية في تلك الشبكات وإدارتها بعلم مسبق من حكومة أردوغان.‏

لا تبدو الشكوى الصينية من دور بعض الدبلوماسيين الأتراك في جنوب شرق آسيا وتسهيل انخراط الصينيين بداعش عرضية، في وقت بدت فيه حالة امتعاض تسود من النهج التركي في أكثر من دولة آسيوية، حيث دورها لم يعد فقط تسهيل وصول الأفراد إلى التنظيمات الإرهابية، بقدر ما بات أحد أوجه الإرهاب المباشر في الترويج للالتحاق بتلك التنظيمات.‏

وبغض النظر عن مدى الدور الذي أسهمت به مثل هذه النشاطات في تدعيم صفوف التنظيمات الإرهابية، وبعيداً عن المساحة التي تؤديها الدبلوماسية التركية في الترويج والتسهيل، فإن طرحها في المحافل الإعلامية يفتح الباب على مصراعيه في سياق الكشف عن العوامل والأسباب التي باتت تمطر المجتمعات من خارج المنطقة بأسباب التحاق مواطنيها بهذه التنظيمات، وبالتالي الحديث العلني عن دور تركيا التخريبي الذي تجاوز حدود المنطقة وبات عابراً للقارات والمجتمعات معاً.‏

فالعملية ليست فقط في إطار المهمة الوظيفية التي تكفلت بها حكومة العدالة والتنمية، وما طرأ عليها من تعديلات، أو ما شهدته من تغييرات بنيوية ناتجة عن المتغيرات العاصفة التي تشهدها المنطقة خصوصاً بعد تفشي الإرهاب، بل في الرسالة التي تعمدت أن تخطها حيال الصين باعتبارها هدفاً مباشراً لتطورات المواجهة على المشهد الدولي والدور الملقى وظيفياً على حكومة أردوغان في هذا السياق، وما تمليه من افتراض موازٍ على جبهات المواجهة العالمية.‏

فالمؤكد أن الصين لم تكن خارج دائرة الاستهداف الأميركي وليست وحدها في ذلك، ولا هي بعيدة عن خطر سبق لها أن أشارت إليه، وعبرت بعض الدوائر الصينية عن الضيق من محاولات واضحة من دول إقليمية لتأجيج الوضع عبر انضمام العديد من مواطنيها لتنظيمات إرهابية بمساعدة من عواصم تلك الدول التي امتهنت تجنيد المتطرفين وتسهيل وصول الإرهابيين وانضمامهم إلى التنظيمات الإرهابية.‏

إن القضية لا تتعلق بالترويج المنظم للإرهاب الذي مارسته الدبلوماسية التركية، بل بدورها في تحضير مرتزقة وإرهابيين تحت الطلب، وحسب الحاجة في حقائب دبلوماسيتها ووفق قدرة التنظيم الإرهابي على استقطابهم، أو مقدرته المالية على دفع ما يكفي لشرائهم من تلك الشركات المدارة من دبلوماسيي أردوغان مباشرة، وما تطرحه من أدوار قذرة لا تقتصر على الوجه العدائي السافر تجاه دول المنطقة، وإنما بما شكلته وتشكله من سابقة في الدبلوماسية، ومن خطر على دول العالم كافة ومن دون استثناء.‏

بقلم: علي قاسم