محاربة الإرهاب وأزمة المصداقية- الوطن العمانية

منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وإلى اليوم تعيش الولايات المتحدة أزمة كبرى في منطقة الشرق الأوسط لم تشهد لها مثيلًا، هذه الأزمة هي أزمة المصداقية مع الآخرين، سواء كانوا أصدقاء أو خصومًا لها، أخذت تتضح شيئًا فشيئًا منذ النكبة الفلسطينية لتصل إلى انفضاح تاريخي أمام العالم الحر بعد حربي العراق وأفغانستان ثم ما سمي زورًا “الربيع العربي” الذي بات شاهدًا على ازدواجية واضحة في المواقف، وإصرار على تمرير مشاريع تعيد رسم خريطة المنطقة، وإن تبدلت التكتيكات وتغيرت الأدوات تقدمًا أو تأخرًا، سواء أكان ذلك في سورية أو غيرها من تجارب سابقة في بلداننا العربية.

وفي الوقت الذي تتحدث فيه الولايات المتحدة عن محاربتها الإرهاب وتنظيماته، وتعلن عن استراتيجيات وتحالفات للقضاء عليه وخاصة تنظيم “داعش” الإرهابي، تأتي الأحداث ومسارات التطورات وتصريحات المسؤولين الأميركيين مناقضة لحقيقة المعلن، بل إن الإرهاب لم يأخذ مساحاته الواسعة وينتشر في عموم المنطقة كانتشار النار في الهشيم، إلا تحت مظلة هذه التحالفات والاستراتيجيات لمواجهة إرهاب “داعش”.

لقد كانت لافتًة جلسات المساءلة والمراجعة في الكونجرس حول سير الاستراتيجية العسكرية لمحاربة تنظيم “داعش” لإيهام الرأي العام الأميركي والعالمي أن الولايات المتحدة مصممة على كسر شوكة الإرهاب وبخاصة إرهاب “داعش” الذي تجمعها به علاقة أمومة وأبوة، لدرجة أن هذه المساءلة وجهت اللوم إلى المسؤولين الأميركيين وفي مقدمتهم آشتون كارتر وزير الدفاع والجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة أركان القوات الأميركية لعدم نجاح الاستراتيجية العسكرية في هذا الشأن، وأن الولايات بدأت تخسر معركتها ضد إرهاب “داعش”.

ولعل ما يؤكد أن هذه الجلسات في حقيقتها هي لتضليل الرأي العام الأميركي والرأي العام العالمي أن المساءلة جاءت من اليميني المتطرف السيناتور الأميركي جون ماكين الذي فاحت عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي فضائح علاقاته بأبو بكر البغدادي زعيم تنظيم “داعش” الإرهابي، وزياراته لتركيا وإدخاله إلى سورية متسللاً ولقاءاته بالتنظيمات الإرهابية التي زارها للاطلاع على سير تدريبها وتسليحها، فضلاً عن أن جلسة المساءلة في الكونجرس يقف وراءها ماكين بعد أن تملكه القلق والانزعاج من أن برنامج تدريب الإرهاب المعتدل الذي تبناه وتبنته بلاده لاستهداف الشعب السوري يسير ببطء شديد، حيث كشف وزير الدفاع الأميركي أن عدد الراغبين في قائمة الإرهاب المعتدل الأميركية لا يتجاوزون ستين إرهابيًّا، بينما تأتي جلسة المساءلة ذاتها في الوقت الذي كشف فيه المسؤولون الأميركيون أن حوالي مئتي أميركي يحاولون الانضمام إلى “داعش”، طبعًا هذا إذا استثنينا أرقام الأميركيين السابقة والتي التحقت بمختلف التنظيمات الإرهابية في سورية والعراق وليبيا، ولا يزال حاضرًا في التاريخ والذاكرة أن الذي نفذ جريمة السلاح الكيميائي في خان العسل بحلب هو أميركي، وإذا غضضنا الطرف عن التعريج على أطنان الأسلحة والمواد الغذائية والدوائية التي تلقيها الطائرات الأميركية على إرهابيي “داعش”، وكذلك عن الإفراج عن الأعداد الهائلة من أصحاب السوابق في الإجرام والإرهاب من السجون وتدريبهم وتسليحهم ليكونوا “المعارضة المعتدلة”. أما وزير الدفاع آشتون كارتر ذاته فكان صريحًا حين توقع أن تتسارع وتيرة برنامج تدريب الإرهاب المعتدل بأنهم بصدد إقامة علاقات مهمة مع جميع العصابات الإرهابية في سورية؛ أي مع ما يسمى “جبهة النصرة” وسائر عصابات الإرهاب والإجرام والقتل، معتبرًا أن هذه العصابات هي شركاؤه على الأرض.

أليس كل ما سبق يؤكد ما قلناه في بداية حديثنا إن الولايات المتحدة تعاني من أزمة المصداقية؟

رأي الوطن

انظر ايضاً

انطلاق فعاليات مهرجان صدى المحبة في دورته الثانية على مسرح دار الأسد باللاذقية

اللاذقية-سانا بدأت اليوم في دار الأسد للثقافة بمدينة اللاذقية فعاليات الدورة الثانية من مهرجان صدى …