الشريط الإخباري

القدس..رمز في الذاكرة الإنسانية يمعن الاحتلال الإسرائيلي في تشويهه والمجتمع الدولي يكتفي بالقرارات

دمشق – سانا

تعد مدينة القدس رمزا راسخا في الذاكرة الإنسانية عموما والعربية والفلسطينية خصوصا فهي مدينة المقدسات بامتياز ونالت حظوة في الأديان السماوية جعلتها قبلة للكثيرين من سكان الأرض، كما أنها تعتبر تاريخيا من أقدم مدن العالم التي مرت عليها عهود متلاحقة بعضها بناها وما تزال آثاره ماثلة إلى اليوم وبعضها يذكر التاريخ عنه روايات التدمير والتخريب.

وتوثق كتب التاريخ أن القدس مدينة عربية منذ نحو 3000 عام قبل الميلاد حيث أسسها الكنعانيون إذ يظهر في رسائل تل العمارنة المصرية أن أول اسم لمدينة القدس هو “أورسالم” هو اسم الإله الكنعاني حامي المدينة، وخلال تاريخها الطويل تعرضت القدس للتدمير مرتين وحوصرت 23 مرة وهوجمت 52 مرة وتمّ غزوها وفقدانها مجددًا 44 مرة وتصنف المدينة على أنها موقع تراث عالمي.10111

على مدار تاريخها الطويل كانت القدس محط الأنظار ووجهة المحبين والطامعين على السواء وبدأ الصراع الأكبر عليها مع الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية عام 1948 فمنذ ذلك التاريخ بدأت معاناة المدينة المقدسة مع صدور قرار التقسيم رقم 181 وحرب عام 1948 التي أشعلتها العصابات اليهودية حين ارتكبت أفظع الجرائم بحق الفلسطينيين ومدينتهم.1211

دخلت القدس بعد ذلك أتون مأساة لا تزال تتفاعل حتى اليوم مع إصرار الكيان الإسرائيلي على طمس هويتها العربية وتهويدها إذ أمعن وبدعم من دول الغرب في مصادرة الأراضي والممتلكات الفلسطينية وترحيل الشعب الفلسطيني وتهويد الأماكن الإسلامية والمسيحية في القدس منطلقا من قاعدة وضعها له مؤسس الحركة الصهيونية تيودور هرتزل قبل تأسيس الكيان الإسرائيلي بخمسين عاماً وهي.. “إذا حصلنا يوماً على القدس وكنت لا أزال حياً وقادراً على القيام بأي شيء فسأزيل كل شيء ليس مقدساً لدى اليهود فيها وسأحرق الآثار التي مرت عليها قرون”.

فكر متطرف واصل قادة الصهيونية تكريسه عاما تلو آخر لاسيما في محاولات سلب القدس فمنذ تأسيس الكيان الإسرائيلي أعلن مؤسسه بن غوريون أن “لا معنى لإسرائيل دون القدس ولا معنى للقدس دون الهيكل” لتأتي بعد ذلك مجزرة دير ياسين في 9 نيسان 1948 حيث أبادت فيها العصابات اليهودية جميع سكان القرية التي تعد مدخل الكيان الصهيوني لاحتلال القدس والاستيلاء على أراضيها وممتلكاتها.0111

ومنذ ذلك الوقت اختار المجتمع الدولي أسلوب التعامي ليغض الطرف عن جرائم الاحتلال واقتصرت محاولاته على القرارات الشكلية التي ما كانت لتحمي القدس وبقية الأراضي الفلسطينية من براثن الإرهاب الإسرائيلي ففي 9 كانون الاول عام 1949 اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 303/4 أكدت فيه عزمها وضع منطقة القدس تحت نظام دولي خاص يضمن حماية الأماكن المقدسة وعهدت إلى مجلس الوصاية بتحقيق ذلك لكن الكيان الصهيوني أعلن في 11 من الشهر ذاته نقل عاصمته من تل أبيب إلى القدس الغربية المحتلة وعقد الكنيست أول اجتماعاته بعد يومين من إعلان نقل العاصمة في المدينة الفلسطينية المحتلة في خطوة أثبتت أن إسرائيل تحظى بالدعم الذي يمكنها من ضرب القرارات الدولية بعرض الحائط وتحدي العالم بأسره لتنفيذ مراميها الاستعمارية.

أخذ الكيان الصهيوني يعزز مركزه غير القانوني في القدس المحتلة من خلال عقد جلسات للجان الكنيست ونقل الوزارات والدوائر الحكومية وإعطاء التسهيلات لنقل السفارات الأجنبية والتركيز على عقد المؤتمرات الدولية ومنح الامتيازات والتسهيلات للمستثمرين الأجانب في المدينة العربية المحتلة.

وفي الخامس من حزيران عام 1967 أشعل الاحتلال الاسرائيلي حرب حزيران العدوانية واحتل الجزء الشرقي من مدينة القدس وأصدر قرارا ضم فيه الضفة الغريبة بما فيها القدس وبدأ بتغيير معالم المدينة المقدسة وتدمير أحيائها وبناء مستعمرات تحيط بها من جميع الجهات وتحويل سكانها العرب إلى أقلية.

وامتدت اطماع الكيان الصهيوني إلى القرى والأراضي العربية المحيطة بمدينة القدس فأعلنت كيان الاحتلال عن مخطط القدس الكبرى ليضم القرى المحيطة بها وتسيطر بذلك على حوالي ثلث مساحة الضفة الغربية ويضمها للقدس بالتزامن مع حفر الأنفاق تحت المسجد الأقصى حتى بلدة سلوان لتغيير الحقائق على الأرض وتزييفها وطمس المعالم العربية والإسلامية.

بقيت التحركات الدولية بشأن الأراضي الفلسطينية عموما والقدس خصوصا شكلية ففي عام 1980 أصدر مجلس الأمن قرارا اعتبر فيه أن  عمل “إسرائيل” في القدس خرق للقانون الدولي فيما شجبت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرار لها عام 1994 قيام بعض الدول بنقل بعثاتها الدبلوماسية إلى القدس وأقرت عام 1995 أن الإجراءات الإسرائيلية بشأن القدس باطلة لكن ذلك ما كان ليثني الاحتلال عن مواصلة مخططاته التوسعية والاستيطانية فأقام جدار الفصل العنصري في المدينة وبدأ ببناء المستعمرات وكنيس في ساحة المسجد الأقصى وحديثا، تشير الأرقام أشارت إلى أن سلطات الاحتلال هدمت نحو 1342 مبنى في مدينة القدس خلال الفترة بين أعوام 2000 إلى 2014 في حين تم هدم نحو 500 مبنى منذ عام 1967 وحتى العام 2000 فيما واصلت السلطات وضع عراقيل أمام إصدار تراخيص للبناء للمقدسيين ما تسبب بتشريد نحو 5.760 منهم.111111111111111

أمام هذا التاريخ الحافل بجرائم الاحتلال وبعد أن خسر الفلسطينيون اليوم ما يشكل 85بالمئة من أراضيهم على مرأى من العالم الذي لا يزال مصرا على التجاهل والصمت يبرز السؤال.. من المسؤول عن توسع دوائر الإرهاب في المنطقة.. أليس من دعموا إسرائيل هم ذاتهم الذين يروجون اليوم لكل هذا الفكر المتطرف المجرم بحق الشعوب؟؟

مهران أبو فخر  – ماهر أبو البرغل