دمشق-سانا
تعجز الكلمات عن وصف حضارة بحجم و عراقة و أصالة حضارة تدمر و تجف الأقلام وهي عاجزة عن تدوين تاريخ سيدة البادية وعروس الصحراء وزهرتها المتفتحة وعقدة مواصلاتها الرئيسية عبر مختلف العصور. ومهما دونا عن تاريخ وحضارة و فن و عمارة و تجارة و ديانة وكتابات و انتصارات مملكة تدمر فقلمنا يعجز عن إيفائها حقها من الوصف.
تتربع تدمر في وسط سورية شرق مدينة حمص عند معبر جبلي اضطراري على سفح جبل المنطار من سلسلة الجبال التدمرية على بعد 215 كم شمال شرق مدينة دمشق و150 كم جنوب غرب نهر الفرات وتتبع لمحافظة حمص.
ويقول المؤرخ الدكتور محمود السيد قارئ النقوش الكتابية القديمة في المديرية العامة للآثار و المتاحف أن موقع تدمر ونبع أفقا جعل منها استراحة رئيسية للقوافل التجارية بين العراق والشام، ومحطة مركزية للقوافل التجارية بين الخليج العربي وبلاد فارس والبحر الأبيض المتوسط منوها أن تدمر سكنت منذ العصر الحجري القديم و يوثق ذلك الأدوات الحجرية المكتشفة في جرف العجلة والثنية البيضا والدوّارة والكوم و بئر الهمل وغيرها من المواقع المحيطة بتدمر و أن نبع أفقا الكبريتي الذي ينبع من كهفٍ في جوف جبل المنطار ويمتد أكثر من 350م، هو سبب نشوء مدينة تدمر.
وفي أواخر عصر البرونز القديم في الفترة الواقعة ما بين 2200-2100 قبل الميلاد ازدهرت في تدمر صناعة الفخار وفقا للنمط المحلي.
ولفت المؤرخ السوري أن تدمر ذكرت في النصوص المسمارية الأشورية القديمة المكتشفة في مستعمرة كانيش الآشورية الواقعة بمقاطعة كبادوكية في هضبة الأناضول. كما ذكرت في النصوص المسمارية البابلية القديمة المكتشفة في مملكة ماري على الضفة اليمنى لنهر الفرات والمؤرخة بالقرن التاسع عشر قبل الميلاد والنصوص المسمارية المدونة بالخط المسماري البابلي الوسيط المكتشفه في مملكة ايمار حاليا موقع مسكنة على الفرات و المؤرخة بالقرن الرابع عشر قبل الميلاد و حوليات الملك الآشوري تجلات بيلاصّر المدونة بالخط المسماري الآشوري الوسيط والمؤرخة بالقرن الحادي عشر قبل الميلاد. و تدمر تعني لغويا “بلد المقاومين” باللغة الأكادية و”البلد الذي لا يقهر” باللغة الآرامية السورية القديمة كما تعني تدمرتو بالآرامية الأعجوبة.
سميت تدمر باليونانية و اللاتينية واللغات الأوروبية الحديثة بالميرا أي مدينة النخيل. ولقد عثر في تدمر على أكثر من ثلاثة آلاف نص ، بينها مئات النصوص المحررة بالتدمرية الآرامية والإغريقية التي كانت اللغة الرسمية للحكم الروماني في سورية.
أما النصوص اللاتينية في تدمر، فهي قليلة جدا ، و يؤرخ أقدم نص آرامي تدمري مكتشف حتى الآن بالعام 44 ق.م، وأحدثه مؤرخ بعام 272م، وهو عام سقوط تدمر بيد الإمبراطور الروماني أورليان.
وأوضح الباحث اللغوي أن اللغة الآرامية كانت لغة الكتابة والمراسلات في آسيا الغربية منذ أيام الفرس الأخمينيين، وإن كانت آرامية تدمر تستخدم بعض المصطلحات والصيغ العربية. إذا كانت مراسلات تجار تدمر ومكاتباتهم التجارية تتم باللغة الآرامية التدمرية لتعاملاتهم وتجارتهم مع الشرق، وباللغة الرسمية اللاتينية في تعاملاتهم مع الغرب أيام الإمبراطورية الرومانية.
وبين الدكتور السيد أن تدمر خضعت لحكم الدولة الكلدانية أو البابلية الحديثة “612 – 539 ق.م” و في القرن الخامس قبل الميلاد وقعت تحت سيطرة الدولة الأخمينية الفارسية ، ثم استولى عليها الإسكندر الكبير المقدوني وكانت بعد موته من نصيب السلوقيين وتحولت إلى مدينة مهمة ومزدهرة في عهد الامبراطور سلوقس الأول مؤسس الدولة السلوقية في سورية والتي حكمت سورية في الفترة الواقعة ما بين 312 – 64 ق.م علما أن تدمر تمتعت بحكم ذاتي طوال عصر الدولة السلوقية في بلاد الشام. وقد شاركت تدمر في معركة رفح الشهيرة التي وقعت عام 217 قبل الميلاد بين البطالمة و السلوقيين و أمدت تدمر السلوقيين بعشرة آلاف مقاتل وحافظت تدمر على استقلالها بعد احتلال الرومان لسورية عام 64 ق.م ولعبت دورا مميزا في التجارة بين الفرس والروم وفي أواسط القرن الأول الميلادي ألحقت تدمر بالإمبراطورية الرومانية و في مطلع القرن الثاني الميلادي تعاظم دور تدمر التجاري بعد سقوط دولة الأنباط عام 106م وفي عهد الامبراطور الروماني هادريان “117-138م “منحت تدمر لقب المدينة الحرة فسنت لنفسها قوانين نظمت شؤون حياتها و حددت بموجبها الرسوم التجارية علما أنه اكتشف في عام 1881م أطول النصوص المالية من ذلك الزمن وأكثرها أهمية وهو نص القانون المالي المدون بالآرامي التدمري والذي نقل إلى متحف الأرميتاج في سان بطرسبرغ الروسية. و في عام 212 م منح الإمبراطور كركلا من السلالة السيفيرية تدمر صفة المستعمرة الرومانية. وفي عام 228م تولت السلالة الساسانية الحكم في فارس ووصلت إلى الفرات الأمر الذي أفقد تدمر سيطرتها على الطرق التجارية المارة في شط العرب والخليج العربي و أدخلها في أزمة اقتصادية حادة انتهت مع قيام الملك التدمري أذينة أو أوديناثوس بقهر الفرس عام 258 م ثم انتصر عليهم في عامي 262م و 267م وردهم إلى عاصمتهم المدائن وحمل أذينة في عهد الإمبراطور فالريان لقب الحاكم العام كما لقب بمصلح الشرق كله وملك الملوك و بعد مقتله عام 267 م واغتيال ولي عهده هيروديان عام 268 م تولت زوجته زنوبيا الوصاية على ابنهما وهب اللات واتخذت معه ألقاب الأباطرة، وحاولت بسط نفوذها على مصر ومختلف أنحاء آسيا الصغرى وبدأت تهدد مصالح الإمبراطورية الرومانية فهاجمها الإمبراطور الروماني أورليان على رأس جيش جبار، فسقطت تدمر بيده عام 272م، وتم أسر الملكة زنوبيا ونقلها إلى روما وتدمير تدمر.
ثم أعاد الإمبراطور ديوكليشيان الذي امتد حكمه من 284 إلى 305 م بناء المدينة و بعد دخول الديانة المسيحية ورسوخ تعاليمها في تدمر في القرن الرابع الميلادي أغلق الإمبراطور تيودوسيوس المعابد الوثنية وتحولت الهياكل الرئيسية في المعابد كمعبد بل ومعبد بعلشمين إلى كنائس وفي الفترة الواقعة ما بين أواخر القرن الخامس و القرن السادس الميلادي أصبحت تدمر إحدى مراكز الغسانيين حلفاء دولة الروم البيزنطيين وقد قام الإمبراطور البيزنطي جستينيان “527-565م” بتدعيم أسوار تدمر بإضافة أبراج مستديرة لها، وعمل على إصلاح شبكة المياه. وفي عام 634م فتح المسلمون بقيادة خالد بن الوليد تدمر سلماً، وازدهرت تدمر نوعا ما في ظل الأمويين فبني في عهد الخليفة هشام بن عبد الملك قصر الحير الغربي الذي يبعد 80 كم عن المدينة بين القريتين و تدمر على مربع طول ضلعه 70 مترا . بني قسمه الأسفل من الحجر الكلسي والأعلى من الآجر المشوي , وقد نقلت واجهته الأمامية إلى متحف دمشق و قصر الحير الشرقي على بعد 120 كم من تدمر و هو عبارة عن قصرين تحيط بهما جدران من الأجر و الجبس و الحجر . ثم أهملت تدمر زمن الخلافة العباسية. و أدى زلزال وقع في بداية القرن الحادي إلى تدمير جزء كبير من أبنية تدمر. ثم نهضت المدينة من جديد في القرن الثاني عشر الميلادي أيام البوريين، أتابكة دمشق وفي عهد الأيوبيين خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين وعهد المماليك خلال القرنين الثالث عشر و الخامس عشر الميلاديين. وفي تلك الأيام صار معبد بل الحصن الذي يضم معظم البلدة وغدا هيكله المركزي مسجداً . وفي العهد العثماني “1516-1919م” أهملت تدمر وفي عام 1929 نقلت بلدة تدمر من داخل المعبد إلى مكانها الحالي بمساع من العالم الفرنسي هنري سيريغ.
وبين الدكتور السيد أن مجتمع تدمر كان مؤلفا من طبقات عديدة هي: النبلاء والكهنة والمواطنون، وطبقة الأحرار والعبيد والأجانب وكان لتجارة تدمر المراتب العليا. واهتم التدمريون بالزراعة وازدهرت زراعة النخيل، وحفر التدمريون أقنية الري وأقاموا السدود لحجز وجمع المياه وتنظيم توزيعها وفق نظام وترتيب متطور خاص. وحفروا الآبار للشرب والري وشيّدوا الأحواض والخزانات.
وذكر السيد أن تدمر تأثرت من الناحية العمرانية بالتخطيط اليوناني الروماني إلى حد كبير، وكذلك في شكل الأعمدة والتيجان و لقد حافظ المعمار التدمري، خلال القرون الثلاثة الأولى على سمات العمارة الشرقية السورية المتأثرة بالتقاليد الهلنستية والآسيوية عموماً، وازداد التأثر بالتقاليد الإغريقية الرومانية منذ القرن الثاني الميلادي وبنى التدمريون منشأتهم من الحجر الكلسي الناصع الوافر في مقالع الجبال المحيطة بمدينتهم وتكوّنت أساساتها من مداميك من الحجر وأكملت الجدران بالآجر أو اللبن وسقفت الحجرات على حوامل عرضانية من جذوع الشجر وطليت من الداخل بالكلس، وزخرفت أقسام الجدران العليا وأطر الأبواب والنوافذ بأشكال مقولبة من الجبس وملصقة بالمونة. والبيوت في تدمر عموماً ذات طابق واحد، أما البيوت الكبيرة الهامة، كالنموذج الفخم القائم خلف معبد بل، فإن فيها أكثر من باحة مزوّقة وقد فرشت بعض غرفها بالفسيفساء. وفي المنازل حول مسرح تدمر يكون متجر صاحب البيت جزءاً من المنزل المطل على الشارع و لم يكن لتدمر في القرنين الأول والثاني الميلاديين نفس المخطط المعماري الحالي، بل كانت مجمعة في المنطقة الواقعة بين نبع أفقا، ومعبد بل ونبع المياه الحلوة والطريق الموصلة إلى وادي القبور. و في القرنين الثاني والثالث الميلاديين شق التدمريون شارعاً برواقين عن يمينه ويساره، يؤمن سير المشاة والقوافل، ويسهّل الاتصال بين أحياء تدمر ومعابدها.
وأضاف المؤرخ السيد أن الحياة الدينية الوثنية ازدهرت في تدمر حتى أواخر القرن الرابع الميلادي وعبد التدمريون أرباب عديدة أهمهم الرب البابلي الأصل بل “مردوخ” والذي وحّد في أيام الإغريق والرومان بالرب زفس/جوبيتر و الرب يرحبول إله الشمس وعجلبول إله القمر والرب نابو ابن بل وبعلشمين رب السموات و اللات والعزى ومنوه ورضو وشمس وكان أهم مظاهر الشعائر الدينية التدمرية الطواف حول الهيكل المركزي للمعبد، وحمل صنم المعبود على جمل تحميه قبة حمراء من أدم.
وبين السيد أن عمارة المعابد التدمرية تتسم بالتقاليد السورية القديمة فيتوسط الهيكل المركزي باحة فسيحة معدّة للطواف أحيطت بأروقة لمتابعة الطقوس والمواكب الدينية ومجاورة المتعبدين بيت الرب. و نجد في الباحة حوض للتطهر ومذبح وغرفة للولائم الدينية. وفي صدر الهيكل المركزي، الذي يتوسط الباحة حجرة للمعبود، وذلك شيء غير مألوف في المعابد الإغريقية الرومانية، إضافة إلى أن للهيكل المركزي نوافذ وسقفاً مستوياً مع واجهته المثلثة واقتبس من العمارة الإغريقية الرومانية أنماط التيجان وبعض التقاليد الكلاسيكية السطحية و أهم هذه المعابد معبد الاله بل والذي شرع في بناءه في القرن الأول الميلادي و اكتمل بناؤه في القرن الثاني الميلادي ويتألف من ساحة واسعة مربعة مغلقة أبعادها 210×205م، ويتوسطها الحرم أو السيلا أي مأوى صنم الرب.
أحيطت الساحة برواق محمول على أعمدة مزينة بتيجان كورنثية، تتوضع في الرواق الغربي على صف واحد في زاويته الشمالية بقايا درج لولبي كان يؤدي إلى سطح الرواق وكان يصطف في الرواق الغربي 390 عموداً عالياً بقي منها سبعة قائمة اليوم، أما الأروقة الثلاثة الأخرى فهي ذات صفين من الأعمدة، في منتصفها حوامل لرفع تماثيل كبار الرجال تخليداً لهم. وفي الحرم نشاهد إلى اليسار بقايا أساس غرفة المائدة والمذبح ذي الزخرفة الرومانية ، وإلى اليمين بقايا البركة المقدسة. يحيط بالحرم رواق أعمدة وتيجان بزخارفها الكورنثية من البرونز المذهب، وتم حمل سقف الرواق على جسور ضخمة من الحجر المنحوت نقشت عليها مشاهد دينية وأسطورية وزخارف حيوانية ونباتية وهندسية و في المعبد هيكل فيه محرابان يحتوي الشمالي منها على تماثيل الآلهة التدمرية الثلاثة الكبرى و سقفه مؤلف من قبة مزدانة بصور الكواكب السبعة .و يبلغ طول معبد بل 205 أمتار و عرضه 310 أمتار.
ومعبد الاله نبو ابن الرب بل-مردوخ، وأمين سر مجمع الأرباب وكاتب الآلهة ويقع غرب قوس الشارع الطويل, بني في القرن الأول الميلادي على شكل شبه منحرف و قد أحيط بسور خارجي في داخله باحة وفي منتصفه حرم ولم يبق من المعبد سوى أجزاء من الأعمدة.
ومعبد الرب الكنعاني يلحمون و والربة العربية مناة المبني عام 88 م في قمة الجبل الغربي أو جبل المنطار و معبد الاله بعلشمين إله الخصب و النماء والذي بني في القرن الثاني الميلادي عام 130 م في الحي الشمالي من تدمر بحسب نص الكتابة التدمرية المؤرخة بعام 130/131م والمنقوشة على حامل العمود الثاني من أعمدة عتبة الحرم و يتألف المعبد من حرم وباحتين شمالية وجنوبية بهما أروقة. وتحمل عتبة الحرم ستة أعمدة بجبهة مثلثة.
ومعبد اللات الذي بني في القرن الثاني الميلادي في الحي الغربي وفيه اكتُشف تمثال مرمري للربة اللات/أثينا، وتمثال أسد اللات ويتألف من باحة مستطيلة في وسطها حرم يتقدمه رواق من ستة أعمدة. وهناك أيضا معبد أرصو و معبد عشتار. أما الكنائس المؤرخة بالقرن الخامس الميلادي فتقع إحداها قرب معبد بعلشمين يتقدمها رواق من ستة أعمدة، والثانية إلى الجنوب، كما توجد بقايا كنيسة ثالثة في الزاوية الشمالية لحمامات زنوبيا بين معبدي بل وبعلشمين.
وأضاف السيد أن تدمر تشتهر بمدافنها ويعتبر المدفن البرج من أقدم نماذج المدافن التدمرية ويعود للقرن الأول قبل الميلاد ومظهره الخارجي كالبرج المربع وأشهر المدافن البرجية مدفن ايلا بل، ويبلغ ارتفاعه عشرين مترا ويتألف من أربعة طوابق بينها درج حجري ويتسع لمئات من القبور.
وهناك نموذج يدعى مدفن البيت يبنى فوق الأرض بطابق واحد يتقدمه مدخل جميل وباب من الحجر المنحوت وفيه باحة مكشوفة تحيط بها أروقة تحمل سقوفا وحولها معازب الدفن وقد ظهر هذا النموذج في نهاية القرن الأول وبداية القرن الثاني الميلادي ومنه مدفن مارونا المعروف باسم قصر الحية في المقبرة الشمالية ومدفن عيلمي بن زبيدا، ومدفن القصر الأبيض ونماذج في وادي القبور، وفي نهاية الشارع الطويل.
والمدفن الأرضي وهو النموذج الأكثر انتشاراً في تدمر ويعود تاريخ ظهوره إلى القرنين الثاني والثالث الميلاديين. و أشهر المدافن الأرضية مدفن الإخوان الثلاثة، ومدفن يرحاي الذي أعيد بناؤه في متحف دمشق الوطني وللمدفن مخطط ذو جناح رئيسي وأجنحة فرعية، كسيت من الداخل بطبقة من الجص، وعلى الجص نفذت بالألوان مشاهد من الحياة والأساطير وصور الموتى والزخارف الهندسية والنباتية والكتابات. والمدفن الأرضي المحفور في الطبقة الصخرية والمؤلف من جناح في الصدر وجناحان جانبيّان. وهناك مدافن مؤلفة من أربعة أو خمسة أجنحة، ومنها ما هو بجناح واحد. تحفر في جدران الأجنحة صفوف متوازية من المعازب العميقة، وفي كل معزبة نحو ستة قبور بعضها فوق بعض، وكل قبر يسد بتمثال نصفي جنازي، وبين المعازب عضادات أو أنصاف أعمدة متوّجة بتيجان كورنثية أو أيونية. ويدور فوق المعازب عند بدء انحناء السقف طنف بارز من الجص أو الحجر مزين بالزخارف. وفي صدر الجناح الرئيس، وأحياناً في الأجنحة الفرعية تابوت أو اثنان أو ثلاثة فوقها مشاهد جنازية منحوتة.
إذا عرفت تدمر ثلاثة أنواع رئيسية من القبور أو المدافن فهناك القبور البرجية والمؤلفة من ثلاثة أو أربعة طوابق صممت في جدرانها غرف تضم الموتى .و القبور المنزلية المؤلفة من باحة مربعة محاطة بالأروقة ذات الأعمدة , حفرت في جدرانها تجاويف مزخرفة. وقبور الأقبية و هي الأوفر و الأغنى بالنقوش و الزخارف و يتم النزول إليها بسلم حجري وقد سدت أبواب التوابيت فيها بتمثال للميت.
وأشار خبير الآثار السوري أن أهم ما يميز تدمر التي تمتد أطلال آثارها على مساحة تقدر بحوالي 12كم مربع سورها الدفاعي المتين البالغ طول محيطه 6 كم والمبني من أحجار منحوتة، ويشبه شكل السلحفاة، دعَّم بأبراج مربعة ومسرح تدمر المبني على شكل نصف دائرة قطرها 20م، تحفّ به مدرّجات بقي منها 13 درجة. وتقع أمام الأوركسترا منصة التمثيل بأبعاد 48×5/10م13 أي طول منصة التمثيل 50 متراً بعمق عشرة أمتار و هي مزدانة بأعمدة رشيقة. وشارع تدمر الطويل الذي يبلغ طوله 1.6 كم و الممتد من المدخل الرئيسي لمعبد بل إلى بوابة دمشق، ويتألف من أربعة أقسام، يمتد الأول منها من بوابة المعبد حتى القوس، و يمتد الثاني بين القوس والمصلّبة “التترابيل”. ويمتد الثالث بين المصلبة وهيكل الموتى.
ويمتد الرابع حتى بوابة دمشق وفي الرواق الشمالي من الشارع المستقيم يوجد هيكل حوريات الماء وقد برز عن بقية الأبنية. وهو بحيرة ماء نصف دائرية، أمامها بهو فيه أربع أعمدة قواعدها مربعة. و مجلس الشيوخ وهو عبارة عن بناء مستطيل يوجد بداخله إيوان كالحنية له مدرّج على شكل نعل حصان و الآغورا المؤلف من باحة مربعة مغلقة لها أحد عشر مدخلاً لتسهيل حركة الدخول والخروج، وبقايا منصة تستخدم للخطابة و التترابيل وهي مفترق الطريقين الرئيسيين في المدينة، و تتألف من مصطبة تحمل أربعة قواعد يعلوها أعمدة من الغرانيت فوقها تيجان كورنثية وسقوف وأفاريز مزخرف و بينها تمثال فوق قاعدة و معسكر ديوقلسيان فوق الحي الغربي بكامله بما فيه القصر الملكي. والحمامات ولها مدخل تتقدمه أربعة أعمدة غرانيتية، أقسامه البارد والدافىء والحار إضافة إلى قاعة مثمّنة الشكل تتوسطها فسقية مثمنة لترطيب الجو، ويلحق بها باحة للرياضة والاجتماعات أبعادها 22×20م ذات أروقة، تبلغ مساحة الحمامات 85×51م. و قوس النصر و له ثلاثة مداخل و تتبعه أعمدة يبلغ عددها 150 عموداً وارتفاع الواحد منها سبعة أمتار وقلعة فخر الدين المعني الثاني المرتفعة 150م عن سطح المدينة والمؤرخ بنيانها الحالي ببداية القرن السابع عشر الميلادي و التي تعود أقدم أساساتها إلى عهد السلطان الأيوبي صلاح الدين وما يزال يوجد في القلعة بقايا الجسر المتحرك الذي أقيم فوق الخندق المحيط بالقلعة. وفن التشكيلي التدمري المرتكز على تقاليد الفن السوري– الرافدي و المتأثر بالفنون الهندية و الفرثية والكلاسيكية الإغريقية والرومانية وبقيت المنحوتات التدمرية والصور الجدارية خاضعة لقواعد شرقية كالتوجه للأمام والاعتماد على الخطوط الواضحة والمحددة للأشخاص والمعالم واعتمد النحات التدمري في إنجاز أعمال النحت على الحجر الكلسي الأصفر الطري الذي يسهل تطويعه، وتتألف أكثر المنحوتات التدمرية من المنحوتات الجنائزية وهي عبارة عن تماثيل نصفية وألواح مستطيلة عليها شخصان أو أكثر و أسرة جنائزية وعليها مشاهد من الوليمة الجنائزية وبرع التدمريون في فن رسم اللوحات الجدارية التي رسمت وفقا للتقاليد الشرقية القديمة المرتكزة على إحاطة عناصر اللوحة بخطوط غامقة رغبة في تحديد كل منها وإبرازه كما هو الحال في الرسوم الجدارية المكتشفة في القصر الملكي في مملكة ماري وقد نفذت الرسوم الجدارية في تدمر على طبقة جافة ملساء من الجير يرسم فوقها بألوان مركبة من أكاسيد معدنية محلولة في الماء و أهم الرسوم الجدارية موجودة في مدفن الأخوة الثلاث فجناح الصدر في هذا المدفن مكسو كله بالرسوم الجدارية المؤرخة بمطلع القرن الثالث الميلادي.
وعثر على كتابة مؤرخة بعام 162م تتضمن عبارة التقدمة النذرية للإله العظيم زفس سيد الكون من قبل يولدوا ابن زبيدة المتولي المسؤول عن نبع افقا. و تمثال الملكة زنوبيا وعليه كتابة يونانية وتدمرية نصها “تمثال سبتيما زنوبيا الملكة ذات الجلالة والمجد المخلصة. صاحبا السعادة سبتيم زبدا القائد الأعلى وزباي قائد حامية تدمر أقاماه لسيدتهما في شهر آب عام 582 سلوقي أي 271ميلادي” و تمثال زوجها أذينة ونقش عليه العبارات التالية «تمثال سبتيموس أذينة ملك الملوك ومصلح الشرق كله. كذلك أقامه زبدا وزباي بنفس التاريخ».
ويوجد في المدينة متحف تدمر و يضم آثار المدينة العريقة من تماثيل مجسمات ومخطوطات ونقوش ولقى أثرية وكذلك متحف التقاليد الشعبية الذي يجسد تراث البادية والحياة لسكان تدمر.
وأكد السيد أنه من واجب الأمم المتحدة و منظمة اليونسكو و حكومات العالم و كل إنسان متحضر في هذا الكون حماية التراث الثقافي التدمري السوري العالمي من كل أذى ومنع تهديم أوابدها و سرقت آثارها وطمس تاريخها والمساهمة في منع عمليات التنقيب السري الغير شرعي و مكافحة شبكات الاتجار غير المشروع باللقى الأثرية السورية و إعادة القطع الأثرية السورية المصادرة أو المحفوظة في متاحف العالم.
عماد الدغلي