لا عروبة إلا بمقاومة الصهيونية- صحيفة البعث

لم يكن المشروع القومي العربي بدعةً إيديولوجية غريبة عن الواقع، بقدر ماكان ضرورةً تاريخية وواقعية لأمّة تطمح الى تحقيق وحدتها كغيرها من الأمم. لكن الاستعمار أراد للأمة العربية أن تكون استثناءً وأن يُمنع عليها تحقيق الوحدة، فجزّأها، وزرع فيها كياناً احتلالياً استيطانياً «إسرائيل»، وحرص على ضرب التطلع الوحدوي القومي في داخلها، فأوجد أنظمة رجعية تابعة له تعادي الوحدة، وتعمل على تكريس التجزئة.

ونظراً لأنّ الشعب العربي، في مختلف أقطاره، كان وحدوياً بمشاعره، فقد وظّفت أمريكا وريثة الاستعمار القديم تلك الأنظمة التابعة في قمع الأحزاب والحركات القومية، والتآمر على الدول العربية ذات التوجه الوطني والقومي، وتمكنت بالتواطؤ مع الرجعية العربية، وباستخدام طرق ووسائل مختلفة وصلت الى حد الغزو العسكري المباشر، من استهداف تلك الدول، وكادت أن تنجح في إسقاط الحامل السياسي الدولتي للقومية العربية، لولا العقدة السورية التي عجزت أمامها حتى الآن، بالرغم من حربها الإرهابية التكفيرية المستمرة على دمشق منذ خمسة أعوام بتمويل ودعم من الرجعية العربية التي تمكنت، منذ بداية الأحداث في سورية، من اختطاف العروبة الرسمية ممثلة بالجامعة العربية، وسعت الى تفصيل عروبة سياسية جديدة على مقاس الأهداف الأمريكية الصهيونية، تكرس الصراع الطائفي والمذهبي بديلاً عن الصراع العربي الصهيوني، بل تكرس كيان العدو حليفاً للعرب ضد خطر فارسي مزعوم، وتعادي المقاومة. وكان آخر إنجازات هذه العروبة المختَلقة عاصفة الحزم السعودية التي دمرت وماتزال تدمر اليمن وتقتل شعبه.

تلك هي العروبة الجديدة التي تريد السعودية اليوم فرضها على الأمة بأفظع جرائم الحرب، وبالإرهاب التكفيري، لإسقاط الدول العربية الوطنية وتقسيمها، والتي تجهد الأبواق الرجعية في إخفاء هويتها المتصهينة، وتجميل وجهها الإجرامي البشع.

لكن ما لا تعرفه المملكة الوهابية وكل من لفّ لفها من المحسوبين عرباً من أتباع أمريكا وحلفاء «إسرائيل»، هو أنه لا جبروت السلاح الأمريكي، ولا قوة المال النفطي يمكن أن تحوّل العروبة من مشروع وحدوي استقلالي نهضوي الى مشروع رجعي خاضع للغرب والصهيونية. فالعروبة اكتسبت شرعيتها التاريخية، وهويتها السياسية النهضوية، من تاريخها النضالي الوطني والقومي الحافل، ولاسيما في مواجهة الاستعمار، والعدو الصهيوني الغاصب. وكل عروبة خارج هذا الصراع التاريخي مع هذا العدو القومي مزوّرة، ولن ينخدع بها أحد، فكيف إذا كانت عروبة مكرّسة لمحاربة المقاومة العربية للصهيونية والهيمنة الأمريكية !؟.

لقد استطاعت الرجعية العربية شراء الكثير من النخب والأبواق لمحاربة العروبة المقاوِمة إيديولوجياً، مثلما استطاعت تجنيد الإرهاب التكفيري لمحاربتها عسكرياً، لكنها لم تستطع أكثر من ذلك، وها هو مشروعها التدميري التقسيمي الرجعي يتكسّر شيئاً فشيئاً على صخرة الصمود العربي السوري، ليتأكد أن الكلمة الأخيرة في المعركة هي للعروبة التي تقاوم الإرهاب بوجهيه الصهيوني التكفيري، وتدافع عن استقلال الأمة وكرامتها، هذه العروبة الأصيلة التي تسكن وجدان الجماهير العربية على امتداد الوطن الكبير، وتجسّد أملها في التحرر والوحدة والنهوض الحضاري.

افتتاحية البعث بقلم محمد كنايسي

انظر ايضاً

فرع اتحاد كتاب طرطوس يستضيف الشاعر محمد كنايسي

طرطوس-سانا استضاف فرع اتحاد الكتاب العرب في طرطوس اليوم الشاعر والإعلامي التونسي محمد كنايسي الذي …