“كامب ديفيد” وحيرة الأتباع-صحيفة البعث

من يتابع الإعلام الخليجي، وما يدور في فلكه هذه الأيام، يعتقد جازماً أن اجتماع “كامب ديفيد” بين الرئيس الأمريكي وحكام الخليج، سيحصل بناء على “استدعاء” ملكي “لأوباما” كي يتلقى بعض الملاحظات والتوجيهات على أدائه في ملفات المنطقة والعالم، دون أن يستبعد، هذا الإعلام، ارتفاع نبرة “الحسم” معه لإخراجه من تردده وضعفه، كما يقولون.

بيد أن الحقيقة مرة، كعادتها، وهي في مكان آخر تماماً، والحق فإن بعض عقلائهم، وهم قلة على كل حال، يشيرون إليها، ولو بمواربة، حين يقولون: إن الاجتماع يأتي في سياق “إعادة تعريف المصالح الأميركية في المنطقة”، وفي ظل الانسحاب الأمريكي التدريجي، ولكن الاستراتيجي، نحو “الشرق”، لمواجهة الصين تحديداً، ما يعني أنه سيجري تحضيراً لبيئة استراتيجية جديدة، تخلو، ولو بشكل جزئي، من “الخيمة” الأمريكية التي اعتاد حكام الخليج العيش تحتها منذ زمن طويل، ولربما كانت تسميتهم القديمة “بالمحميات” هي التسمية الأكثر دقة للتعبير عن واقع الحال، فهم، كـ “دول” وأسر حاكمة، ولدوا في ظل الإرادة والغطاء البريطاني، ثم ورثتهم واشنطن، فيما ورثت، من أملاك الامبراطورية التي غابت عنها الشمس.

بهذا الإطار يصبح جملة حراكهم المستجد، “الحازم والحاسم”، لكن الواهم بامتياز، في اليمن وسورية والعراق ومصر وليبيا وغيرها، ليس سوى محاولة مستميتة لإظهار فائدتهم للسيد علّه يحافظ عليهم من جهة، وتعبير طفولي غاضب نزق، من جهة أخرى، عن إحساسهم بأنهم، ولأول مرة، يقفون لوحدهم في مواجهة الحقائق الجيوسياسية الكاملة، وهي حقائق قاسية وداهمة في الآن ذاته، وهو ما يفسّر محاولتهم الخروج من “كامب ديفيد” بصياغة إطار مؤسسي يترجم تفصيلياً عبارة “الالتزام الأميركي بأمن الخليج” التي يرددها أوباما كلما اقترب موعد الحقيقة القادم.

بيد أن لواشنطن أهدافها الأبعد مدى من مجرد تطمين “أسر حاكمة” بخلفية قروسطية متخلّفة، فالامبراطورية التي توازن خطواتها على إيقاع مصالح كبرى وتوجهات استراتيجية جديدة لسياستها في القرن الحادي والعشرين، لن تترك المنطقة تماماً، لكنها تريد، وقد نجحت عبر توريط السعودية بالرمال اليمنية المتحرّكة، أن تحوّل حلفاءها إلى “إمارات مستعمرة تابعة ومنقادة” بالكامل لواشنطن -إعلان الحرب على اليمن جاء على لسان “الجبير” عندما كان سفيراً من واشنطن، وإعلان الهدنة جاء على لسانه، بعد توزيره أمريكياً، من السفارة الأمريكية في باريس- إمارات يحدد لها موظف صغير في الخارجية الخطوط الحمر الجديدة، ويترك لها موظف آخر هامش حركة مدروس لزيادة آثار التدمير الذاتي الذي تلحقه بنفسها وبالمنطقة كاملة، وبالتالي إبقاء عجلة الصناعات العسكرية، الأمريكية خصوصاً والغربية عموماً، دائرة لتطحن ما يمكن أن يبقى لديهم من فائض نقدي ما، والحديث عن درع صاروخي قادم، وصفقات “الرافال” الفرنسية هما في هذا الإطار.

والحال فإن من أوصل “الخليج” إلى هنا هو “الاندفاع بلا رؤية” في الداخل والخارج، فمن حرب دائمة على الداخل، لإبقائه منضبطاً تحت نير نظم حكم خارج التاريخ من حيث الظلم المطلق، والفساد المستحكم، والقهر المستدام، والأيديولوجيا المذهبية المدمّرة، إلى حروب لإخضاع الخارج القريب، بوهم دور ومكانة زائفين يفتقدان لمشروع حضاري مواز وملائم، والنتيجة، حكم يقبع، داخلياً، فوق جمر يتطاير شرره هنا وهناك منذراً بحريق كبير قادم، وينتقل خارجياً من وهم إخضاع دمشق وصنعاء، كما قيل بداية، إلى حقيقة محاولة الحفاظ على “نجران” و”جيزان” كما يحصل الآن.

والحال فإن هذه الصورة بالتحديد، هي من ستحكم غداً نتائج “كامب ديفيد” الجديدة، لا صراخ الإعلام الواهم، ولهذا “الكامب” تحديداً رمزية قاتلة عند العرب، لكنه محمّل بمفارقة لافتة جداً هذه المرة، فبعد يوم واحد منه تحلّ ذكرى “النكبة”، فهل تحمل أجندتهم إلى “الكامب” كلمة كفى استباحة لحقوق فلسطين وأهلها، أم أن “حزمهم” مقتصر على الأهل فقط لا غير.

بقلم: أحمد حسن

انظر ايضاً

خارج السياق الإنساني.. داخل سياق الغابة.. بقلم: أحمد حسن

بالتأكيد لم يكن العدوان الإسرائيلي الأخير على دمشق خارج السياق الحالي، كما “يحلّل” البعض، بل …