دمشق-سانا
ناقش المشاركون في المؤتمر الدولي الذي تقيمه جامعة دمشق على مدرجها تحت عنوان سورية إلى إعادة البناء خلال جلسة اليوم إمكانيات وسبل الحوار في المجتمعات التي تشهد صراعات من خلال استعراض تجارب ونظريات بهذا الخصوص مؤكدين ضرورة تقديم كل الدعم لسورية بوجه الإرهاب.
واقترح عضو وفد دعاة السلام إلى سورية الدكتور سيمون كنز من بريطانيا إحداث قسم في جامعة دمشق ضمن كلية الحقوق أو العلوم السياسية يعنى بدراسات السلام مستشهدا بنظريات لمفكرين عالميين حول الحوار والمفاوضات واستراتيجيات حل الصراع.
بدوره أشار الأب آندرو اشدون إلى العلاقة بين الدين المسيحي والإسلامي منذ الأزل والتفسيرات الخاطئة التي ظهرت حديثا للدين والترويج للعنف والقتل على أساس هذه التفسيرات الخاطئة مستعرضا الأسس المشتركة بين الأديان وداعيا إلى التسامح ونشر المحبة والألفة بين الشعوب.
ونقل الأب اشدون رسالة من أسقف بريطانيا الأعلى أعرب فيها عن تضامنه مع الشعب السوري وتقديره لمعانته وآلامه ونضاله طالبا منه التحلي بالصبر والتعايش مع الجميع.
من جانبه أشار الدكتور محمد ماراندي من إيران إلى صناعة الولايات المتحدة الاميركية للتطرف في غرب أسيا وشمال إفريقيا من اجل النفط والثروات الطبيعية ومصالحها وظهور الإرهاب في أفغانستان خدمة لمصالحها مبينا أن ما يحدث في سورية هو إعادة لما يحدث في باكستان والعراق وليبيا لكن بطرق أخرى.
وقال “إن العالم بدا يدرك خطورة الإرهاب واقترابه من أوروبا باسم الإسلام الذي هو براء منه” مشيرا إلى أن الدولة السورية وجيشها يدافعان عن العالم أجمع منوها بصمود الشعب السوري ووحدته مع قيادته في الوقوف بوجه الإرهاب.
وأكد وقوف الجمهورية الإسلامية الإيراينة إلى جانب الدولة السورية التي تم استهدافها بسبب دعمها للمقاومة بالمنطقة مضيفا إن مفاوضات إيران مع الغرب لن تؤثر على مواقفها المبدئية من الأزمة السورية ودعمها للشعب السوري.
وقال “إن السعودية معقل للإرهاب وهي التي خلقت الوهابية وعززتها وجندت الآلاف في المنطقة لتدمير حضارات شعوب المنطقة وفرضت الفكر التكفيري” مشيرا إلى أن الشعب التركي ضد سياسات الحكومة التركية بدليل خروجه بمظاهرات.
من جانبها لفتت فيروزي بوروالا من الهند إلى أعمال التنظيمات الإرهابية بالمنطقة العربية تحت غطاء الدين والدول التي تغذيها وتمدها بالمال والسلاح خدمة لمصالحها ومخططاتها الاقتصادية مؤكدة أن الولايات المتحدة بعد هزيمتها في فيتنام لجات إلى خوض حروبها بالوكالة.
وقالت “إن التنظيمات الإرهابية مجموعات من القتلة والمرتزقة يتم تجنيدهم لتنفيذ مخططات دول عديدة بالمنطقة وفي سورية تحديدا” داعية إلى تقديم كل أشكال الدعم لسورية التي تخوض معركة ضد الإرهاب.
بدوره تطرق البروفيسور ديكلان هايز إلى زيف وادعاءات التنظيمات الإرهابية والشعارات التي تدعو اليها معتبرا أن هذه التنظيمات تنفذ مخططات دول إقليمة ودولية.
وأشار الدكتور بطرس حلاق عميد كلية الإعلام إلى أن سورية تعرضت إلى حرب إرهابية إعلامية كونية جندت فيها شتى وسائل الإعلام العربية والغربية بأنواعها المختلفة من إعلام تقليدي وإعلام جديد ولم يكن الإعلام هنا أداة ثانوية لدى التنظيمات الإرهابية بل أداة رئيسية ضمن البنية الاتصالية التي شكلتها كأدوات حرب ووظفتها ضمن استراتيجية متكاملة.
وأضاف إن استراتيجيتهم تتسم بالمركزية ووفرة الأموال وفرص السيطرة على المجال الاتصالي من خلال الوصول إلى الرأي العام والترويج لأيديولوجيا الظلام المتطرف واستعراض القوة وإضفاء هالة مزيفة على الفعاليات الإجرامية وتضخيم قدراته وإظهارها بشكل أكبر من حجمها الحقيقي.
وبين حلاق أن الإرهابيين لديهم أربعة أهداف عامة ذات علاقة بالإعلام عندما يفجرون أو يهددون باستخدام العنف وهو الحصول على انتباه الرأي العام والحصول على الاعتراف “بدوافع” التنظيمات الإرهابية خلف العمل الإرهابي والحصول على “تعاطف” الداعمين والمؤيدين إضافة إلى الحصول على ما يشبه المكانة “الشرعية” والمعالجة الإعلامية التي يحظى بها الفاعلون السياسيون الشرعيون.
وعلى هامش أعمال المؤتمر تم افتتاح معرض يوثق المجازر والانتهاكات المرتكبة ضد سورية والإبادة الأرمينية ضم نحو 100 لوحة.
وتضمن المعرض ثلاثة أقسام الأول صورا ولوحات وثائقية للمجازر المرتكبة بحق الأرمن والسريان بالإضافة إلى عرض ثلاثة مشاريع من قبل كلية الهندسة المعمارية تناولت إعادة إعمار ثلاث مناطق متضررة “معلولا والقانون ودف الشوك” وكيفية إعادة تأهيل المناطق الأثرية وبناء مواقع جديدة وأفكارا عن إعادة بناء سورية فكرياً وثقافياً واقتصاديا وعمرانيا.
وضم القسم الثالث صورا لبعض المدن والمناطق والمواقع والأماكن الأثرية في سورية قبل وبعد الدمار وتاريخها.
وجرى خلال الافتتاح عرض مشروعين الأول بعنوان “شجرتي” وهو عبارة عن مذكرة تفاهم بين وزارة البيئة والمركز الكوري للأعمال سيتم إطلاقه في المرحلة القادمة بهدف تحفيز وحث السوريين على المحافظة على البيئة والعودة إلى الطبيعة والاهتمام بها من خلال زرع 23 مليون شجرة.
كما يهدف المشروع إلى مساعدة الشباب على بناء الأسرة من خلال تأمين سكن شبابي لهم وإحداث مراكز لتأهيلهم وزيادة معارفهم والاهتمام بالمهارات اللغوية والأخذ بمقترحاتهم وافكارهم التي تسهم في إعادة بناء الوطن.
وأما المشروع الثاني فهو مقدم من كلية التربية يتناول الطفولة المشردة في سورية والأضرار النفسية التي لحقت بالمجتمع السوري وخاصة شريحة الأطفال وكيفية معالجتهم وتقديم الدعم النفسي لهم وتقديم مقترحات لإعادة بناء سورية إنسانيا ونفسياً.
ويناقش المشاركون بالمؤتمر في جلساته القادمة المجازر والانتهاكات التي ترتكبها التنظيمات الإرهابية بحق الشعب السوري والإبادة الأرمنية وأهمية المصالحات في إعادة الإعمار إضافة إلى بحث الآثار البيئية الناجمة عن انتهاكات التنظيمات الإرهابية على قطاع النفط.
ويرافق المؤتمر فعاليات عدة منها “افتتاح معرض للطلبة الجامعيين وإقامة صلاة مشتركة في الجامع الأموي وتنظيم زيارة إلى مقبرة ضحايا الحرب العالمية الأولى والمشاركة في تدشين النصب التذكاري لضحايا الأرمن والسريان إضافة إلى فعالية رياضية”..
وكانت انطلقت اليوم فعاليات المؤتمر الدولي الذي تقيمه جامعة دمشق على مدرجها تحت عنوان سورية إلى إعادة البناء وتستمر لغاية 26 نيسان الجاري بمشاركة جهات بحثية عربية وأجنبية.
وقال سماحة المفتي العام للجمهورية الدكتور أحمد بدر الدين حسون “من يقوم باعمال القتل والتدمير لا مكان له في سورية وليسوا من صنعها وإنما من صنع أصحاب معامل السلاح” مشيرا إلى أن البناء في سورية لم يتوقف يوما لكن بناء الإنسان هو الأقدس من بناء المساجد والمعابد والكنائس.
واعتبر المفتي انعقاد المؤتمر في جامعة دمشق لقاء لبناء الوطن والبنيان والإنسان ورسالة للعالم مفادها أن سورية التي أرادوها ممزقة بين أبنائها وطوائفها انتصرت اليوم لأن أبناءها يتعايشون ويتحدثون لغة الأسرة الواحدة.
وأضاف المفتي إن “أبناء سورية لم يخرجوا يوما ليقاتلوا احدا وإنما خرجوا لحمل رسالة الحب والسلام والدفاع في سبيلها وأن سورية لم تصدر إلا العلم والرسالات بينما صدر الأعداء لنا الإرهاب والقتل والدمار “مشيرا إلى أن الجيش العربي السوري كان عبر السنين عونا للعرب وفي مقدمتهم فلسطين وسيبقى المدافع عن السوريين بكل مكوناتهم.
ودعا سماحة المفتي الأجيال القادمة إلى حمل رسالة الحق المعطرة بدماء الشهداء بكل مسؤولية وأمانة والحفاظ على وطنهم وقيمهم الإنسانية وحضارتهم مؤكدا أن اليد التي “ستعتدي على سورية سيقطعها السوريون”.
بدوره بين البروفيسور ديكلان هايز في كلمة المشاركين الأجانب “إن سورية هي ضحية السياسة العالمية وعلى الغرب تصحيح سياساته بالمنطقة” مشددا على ضرورة مكافحة التطرف والإرهاب.
وقال “إن شعوب سورية واليمن وفلسطين والعراق دفعوا الثمن غاليا من أجل السلام وأن المسلحين الذين دخلوا مدينة إدلب ودمروا آثارها التاريخية ونصبها التذكارية ليسوا بشرا”.
وأكد هايز أن سورية باقية لآلاف السنين معربا عن أمله بعودة الأمن والاستقرار والحياة الطبيعة كما كانت ومبديا تعاطفه مع أمهات وزوجات الشهداء والأيتام والأرامل ومساعدتهم.
وفي كلمة منظم وفد دعاة السلام لفت الدكتور أحمد الخضور إلى أن جامعة دمشق تلعب دورا مهما في دعم مسيرة البناء والتحديث التي يقودها السيد الرئيس بشار الأسد في سورية كما تعمل على استخدام العلوم الحديثة ووصل الماضي والحاضر لبناء مستقبل أفضل.
وأعرب عن أمله بأن ينتبه العالم مع إحياء الذكرى المئوية للمجازر العثمانية بحق الأرمن إلى الأخطاء العظيمة التي حدثت في الماضي وأن يأخذ الدروس والعبر من التاريخ لمنع تكرار هذه الأخطاء مضيفا إن “صوت ضحايا السوريين من التنظيمات الإرهابية في هذه الأيام لم يسمع بشكل كاف على المستوى العالمي”.
وقال إن الوفد رأى خلال زيارته لسورية العام الماضي “الأذى الذي تعرض له الشعب السوري وما عاناه من جرائم العصابات الإرهابية ووجد أن الأزمة ليست حربا أهلية أو طائفية أو ثورة ذات دعم شعبي وإنما غزو خارجي مخطط له ضد الحكومة والشعب السوري” منوها بالجهود المستمرة لدعم مسيرة المصالحة في سورية.
من جهته قال سفير جمهورية أرمينيا بدمشق الدكتور رشاك بولاديان “إن سورية البلد الصديق مهد الحضارات والقيم الإنسانية رسمت على صفحات تاريخه المعاصر مرحلة جديدة ومؤلمة نتيجة وباء الإرهاب الذي انتشر في جمع أنحائه” مؤكدا أن سورية قيادة وشعبا وبجهود أصدقائها ستتغلب على هذه المحنة وستقوم بإعادة إعمار البلاد.
وأضاف السفير الأرميني: إن الشعب السوري الذي يتعرض للإرهاب يوميا يقدر مأساة وآلام الشعب الأرميني الذي تعرض للإبادة في كنف الامبراطورية العثمانية والتي راح ضحيتها أكثر من مليون ونصف المليون أرمني وتهجير من تبقى على قيد الحياة إلى بلاد الشام وخاصة سورية التي استقبلت المهجرين برحابة صدر وأصبحت الملاذ والمأوى لهم.
وأشار إلى أن الإبادة وأعمال القتل والتهجير “وصمة عار في تاريخ الدولة التركية نظرا لبشاعتها وأدت لإفراغ الولايات الأرمينية من أهلها والقضاء على أجيال كاملة من المثقفين والسياسيين والأساتذة وتدمير التاريخ الأرميني” مؤكدا أن “تركيا الحالية كوريثة للامبراطورية العثمانية ستبقى مسؤولة عن تلك الجرائم أمام الحضارة الإنسانية مهما تقدم الزمن”.
وبين بولاديان أن أرمينيا تتابع التطورات والوضع الناشئ في سورية جراء العنف والعمليات الإرهابية وترحب بأي مبادرة سياسية تؤدي لإعادة الأمن والاستقرار على ألا تكون بديلا للحوار الشامل والتسوية السياسية للأزمة معربا عن أمله بأن “تلثم سورية جراحها وتعود الحياة إلى طبيعتها وتقوم بدورها المحوري إقليميا ودوليا من خلال حربها على الإرهاب وبناء مجتمع مدني يحتضن كل فئات وشرائح شعبها”.
بدوره أوضح رئيس جامعة دمشق الدكتور محمد حسان الكردي أن انعقاد هذا المؤتمر يأتي في إطار ترسيخ دور الجامعة العلمي والأكاديمي والوطني في ظل الحرب الظالمة التي تشن على الشعب السوري بكل أطيافه وتتزامن أعماله مع إحياء الذكرى المئوية للإبادة التي تعرض لها الشعب الأرميني.
وأشار رئيس الجامعة إلى أهمية المحاور والموضوعات المطروحة في المؤتمر والتي تسلط الضوء على المجازر التي ترتكب في الوقت الحاضر والتي ارتكبت سابقاً بحق الشعب السوري مستهدفة نسيجه الاجتماعي وتدمير بناه التحتية كما يناقش محاور في إعادة البناء على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والبشري والفكري.
حضر الافتتاح وزراء السياحة والدولة لشؤون البيئة والتعليم العالي والسفير الإيراني بدمشق وعدد من أعضاء مجلس الشعب وأمين فرع جامعة دمشق لحزب البعث العربي الاشتراكي وعدد من رجال الدين المسيحي والإسلامي ونواب رئيس جامعة دمشق وعمداء الكليات وأعضاء الهيئة التدريسية.
ويختتم المؤتمر الذي يشارك فيه باحثون وأكاديميون وخبراء ودعاة سلام من دول عربية وأجنبية أعماله الأحد المقبل