“الحَول” الإنساني والأخلاقي.. بقلم: عبد الرحيم أحمد

لا شك أن الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسورية أحدث زلزالاً سياسياً في العالم ما تزال ارتداداته السياسية كما الجيولوجية تتفاعل، وبالرغم من أن الكارثة جمعت بين بلدين جارين إلا أنها كشفت أقنعة الكثير من الدول المدعية الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم، وأظهرت بعدها عن الإنسانية.

منذ البداية قامت الدول الغربية بالتركيز في المساعدات الإنسانية وفي الحملات الإعلامية على الأضرار التي تسبب بها الزلزال على الجانب التركي والذي هو دمار مهول طبعاً، وجسور الإغاثة الجوية الدولية التي أطلقت باتجاه المطارات التركية تفوق تلك التي توجهت إلى سورية بعدة أضعاف مدفوعة بأسباب سياسية ومواقف بعيدة كل البعد عن الإنسانية وفي تجاهل حقيقي لحجم الكارثة التي حلت بسورية جراء الزلزال.

فالعديد من دول العالم الغربي التي تدعي حمل لواء الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم وتحاضر على دول “العالم الثالث” كما تصنفها أغمضت عينيها عن الكارثة التي حلت بسورية وأصيبت بـ “الحَول الإنساني” ولم تر ما أصاب السوريين من دمار جراء الزلزال الكارثة.

بل إن بعض الدول بدأت ترسل المساعدات للسوريين عبر تركيا وعبر مطارات دول الجوار، وكأن مساعدات الإغاثة لا يمكن أن تصل إلا عبر تلك المطارات! وكأن هبوط الطيران الأوروبي والغربي في المطارات السورية أو رسو السفن الغربية في الموانئ السورية وصمة عار على تلك الدول! أي حول سياسي وفكري وأخلاقي هذا؟ نعلم مدى التبعية والانصياع للإرادة الأميركية.

وأمّا من لا يريد أن يرسل المساعدات من الدول، فليس عليه حرج وعليه ألّا يدعي بأنه يرسل المساعدات للسوريين عبر الأتراك أو غيرهم، لأن المصابين بـ “الحَول” السياسي والأخلاقي لا عتب عليهم وهم خارج حسابات السوريين الذين يعرفون من يقف معهم في محنتهم ويعرفون من أرسل السلاح لآلاف المرتزقة عبر الحدود لتدمير الدولة السورية بطريقة أقسى من الزلزال المدمر.

لن نعتب على واشنطن “حَولها” السياسي والأخلاقي، فهي منذ أن نشأت، قامت على دماء الهنود الحمر وإبادتهم، وتاريخها الإنساني نعلمه من ناغازاكي وهيروشيما إلى فيتنام والعراق وأفغانستان وسورية واليمن والصومال، ومثلها فرنسا وبريطانيا والقائمة تطول، لكن العتب على بعض العرب الذين دفع السوريون من دمائهم وتعبهم وعرقهم لأجل حمايتهم وتطوير بلدانهم عبر عقود من الزمن.

“الحَول” الأخلاقي لم يقتصر على بعض الأنظمة والدول والحكومات، بل انتقل إلى الإعلام الغربي الذي لم ير من الزلزال المدمر الذي ضرب سورية سوى المناطق التي تسيطر عليها المجموعات الإرهابية، وهي وإن كانت مناطق منكوبة فعلاً لكنها ليست الوحيدة في سورية بل هناك مناطق واسعة طالتها الكارثة ولكنها غابت عن الإعلام الغربي.

الإعلام الغربي لم يستطع أن يتعاطف مع السوريين في حلب واللاذقية وحماة وطرطوس لأنه يريد استغلال الزلزال لتوجيه الاتهامات الباطلة للدولة السورية بمنع وصول إمدادات الإغاثة للمنكوبين في إدلب وشمال غرب حلب تحت سيطرة الإرهابيين، هذا الإعلام لم ير قافلة المساعدات الإغاثية التي تم تجهيزها وبقيت يومين تنتظر للدخول إلى إدلب بمرافقة الأمم المتحدة، لكن الإرهابيين رفضوا إدخالها.

وهذا الإعلام لم ير قرار الدولة السورية فتح معابر داخلية إضافية عبر الخطوط ومعبرين إضافيين مع تركيا لتسهيل إدخال المساعدات، فهو لا يريد أن يرى الموقف الإنساني للدولة السورية بل منشغل في تلميع الإرهابيين من الجولاني إلى الخوذ البيضاء الإرهابية.

المصابون بـ “الحَوَل” الأخلاقي يستطيعون أن يجدوا آلاف المبررات لعدم مد يد العون للسوريين في محنتهم، فتارة قانون قيصر المجرم، وتارة العداء للدولة السورية، لكن جميع هذه المبررات غبر مقبولة ولن تشفع لمن يطلقها في محاكم الضمير والإنسانية.

انظر ايضاً

دعم واشنطن للعدوان الإسرائيلي.. وحساب الربح والخسارة!… بقلم: جمال ظريفة

لا وصف لما منيت به السياسة الأمريكية في الآونة الأخيرة بعد الانخراط بالعدوان على غزة …