لم نكن ننتظر قرار الإدارة الأميركية بتجميد جزئي ومؤقت للعقوبات غير الشرعية التي تفرضها على سورية تحت اسم قانون قيصر لنتأكد أن هذا القانون الذي تستخدمه الولايات المتحدة سلاحاً لخنق السوريين وجلد كل من يحاول أن يمد يد المساعدة لهم سواء قبل الزلزال المدمر أم بعده هو أداة الحصار غير الشرعي الذي تفرضه واشنطن مع الدول الغربية لمنع كل سبل العيش والحياة عن سورية وشعبها.
في الواقع إن قرار وزارة الخزانة الأميركية وإن كان محاولة لتجميل وجه واشنطن وإعطاء الإدارة الأميركية سمات إنسانية لا تمتلك أياً منها، وكذلك محاولة لتضليل الرأي العام العالمي والتغطية على الجريمة التي ترتكبها واشنطن بحق الشعب السوري منذ سنوات والتي توازي في تداعياتها كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب المناطق الشمالية الغربية من البلاد، هو بحد ذاته إقرار بالجريمة التي ترتكبها الولايات المتحدة بحق السوريين منذ سنوات.
فقد كرر المسؤولون الأميركيون في تصريحاتهم أكثر من مرة وآخرها بعد حصول الزلزال المدمر، أن الحصار الأميركي لا يشمل المساعدات الإنسانية أو الإغاثية، وقد انبرت مندوبة الولايات المتحدة الأميركية في الأمم المتحدة بكل صفاقة لتقول إن العقوبات الأميركية على سورية لا تستهدف المجال الإنساني أبداً، وإن واشنطن من أكثر المساهمين في المساعدات الإنسانية لسورية.
لكن قرار وزارة الخزانة الأميركية جاء ليدحض تلك الأكاذيب وليؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن واشنطن تحاصر السوريين في كل شيء، وأن العقوبات التي تفرضها تمنع وصول الإمدادات الإغاثية والمساعدات الإنسانية وتمنع التحويلات المالية اللازمة لإغاثة السوريين، بما يشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان في سورية ويرتقي إلى جريمة تستوجب المحاكمة في محكمة العدل الدولية في لاهاي.
لقد أثبتت الولايات المتحدة اليوم أنها لا تقيم وزناً لحقوق الإنسان في العالم، ولا يرف لها جفنٌ لمصائب الشعوب الأخرى، ولا تكترث لآلام الناس الناجمة عن الكارثة، فلو كانت واشنطن جادة فعلاً بقرارها لكانت استجابت للمطالبات الدولية بإنهاء الحصار ضد سورية ووقف العقوبات بلا شروط أو استثناءات، وتوقفت عن انتهاك حقوق السوريين وعرقلة وصول إمدادات الإغاثة من دول العالم.
لقد أعلنت الحكومة السورية على مدى سنوات أن الحصار الأميركي الغربي ضد الشعب السوري يعرقل وصول المساعدات الإنسانية ويعوق جهود وكالات الأمم المتحدة الإنسانية وينتهك أبسط حقوق السوريين في الحصول على الغذاء والدواء ويمنع المشافي من تحديث معداتها الطبية كما يعرقل إعادة إعمار المؤسسات الصحية والخدمية، وهو المسؤول عن معظم ما يتعرض له السوريون من مصاعب اقتصادية ومعيشية.
لذلك فإن المطلوب اليوم من دول العالم كافة أن تحذو حذو الدول الصديقة التي اندفعت بكل قوة وإنسانية لكسر الحصار وإغاثة الشعب السوري المنكوب بالحرب والزلزال غير آبهة بالعقوبات الأميركية الغربية، وأن ترفع دول العالم مستوى التعاون مع الحكومة السورية من أجل تجاوز الكارثة وتداعياتها الإنسانية على مئات الآلاف من السوريين.
والسوريون اليوم ومعهم الكثير من دول العالم وشعوبه يدركون حجم الزيف والتضليل الذي تمارسه واشنطن ولن تستطيع اليوم بقرارها التعليق الجزئي لعقوباتها غير الشرعية تضليل الرأي العالم العالمي من جديد والتنصل من مسؤوليتها عن جرائمها بحق الشعب السوري المنكوب.