القدس المحتلة-سانا
شكل الثلاثون من آذار عام 1976 حدثا تاريخيا مهما وملمحا نضاليا مضيئا في تاريخ الشعب الفلسطيني ونضاله الوطني باعتباره اليوم الذي عبر فيه الفلسطينيون في الأراضي المحتلة عام 1948 عن رفضهم القاطع لسياسة الأمر الواقع التي حاولت سلطات الاحتلال الصهيونية فرضها عليهم.
وجاء هذا التعبير من خلال انتفاضة شعبية عارمة أعلنوا فيها بدمائهم الطاهرة عن تشبثهم بأرض الآباء والأجداد وتمسكهم بهويتهم الوطنية وبحقهم المشروع في الدفاع عن وجودهم وانتمائهم الوطني الفلسطيني والقومي العربي رغم مؤامرة التهويد المتواصلة والمترافقة مع عمليات الإرهاب والقتل والتنكيل والابعاد التي ما برحت سلطات الاحتلال تمارسها بحقهم منذ النكبة الكبرى بهدف اقتلاعهم من أرضهم وتهجيرهم وإبعادهم عن وطنهم وتشتيتهم في المهاجر القسرية.
ووفقا للمجريات التاريخية كانت تلك الانتفاضة ردا مباشرا على قيام سلطات الاحتلال بمصادرة آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية تحت غطاء قرار احتلالي صدر رسميا في منتصف السبعينيات تحت مسمى مشروع تطوير الجليل والذي كان في جوهره الأساسي تهويدا لهذه المنطقة الفلسطينية.
وتجلى الفعل النضالي لأهلنا في الأراضي الفلسطينية المحتلة في ذلك اليوم بعد قيام سلطات الاحتلال الصهيونية بمصادرة 21 ألف دونم من أراضي قرى عرابة وسخنين ودير حنا وعرب السواعد وغيرها في منطقة الجليل والتي احتلت عام 1948 وتخصيصها للمستوطنات الصهيونية.
وعلى إثر هذا المخطط العنصري قررت لجنة الدفاع عن الأراضي الفلسطينية خلال اجتماع لها في الناصرة في الأول من شباط عام 1976 بالاشتراك مع اللجنة القطرية لرؤساء المجالس العربية الإعلان عن إضراب عام وشامل في الـ 30 من آذار احتجاجا على سياسة الاحتلال وكالعادة كان الرد الإسرائيلي عسكريا دمويا إذ اجتاحت قواته مدعومة بالدبابات والمجنزرات القرى والبلدات الفلسطينية في التاسع والعشرين من آذار وأخذت بإطلاق النار عشوائيا فسقط شهيد من قرية عرابة وبعد شيوع الخبر صبيحة اليوم التالي في الـ 30 من آذار انطلق أهالي المدن والقرى الفلسطينية في تظاهرات عارمة فسقط خمسة شهداء آخرين وعشرات الجرحى إضافة إلى اعتقال المئات من الشبان.
وبحسب جميع المتابعين والمراقبين كانت الوقفة الوطنية للشعب الفلسطيني في يوم الأرض حدثا مهما غير الكثير من الملامح التي وسمت سياق مسيرته وخصوصا في فلسطين المحتلة عام 1948 وحوله من مجرد شعب محتل يخضع للتدجين والابتزاز لنزع هويته الفلسطينية وإنكار ملامحه الإنسانية إلى شعب ثائر يرفض الاحتلال ويرفض أن يغير هويته الوطنية العربية ويتمسك بأرضه ويتصدى لمخططات الاقتلاع والتهويد ويصر على الدفاع عن حق عودة أبنائه واخوته إلى أرضهم وديارهم.
ويمكن القول إن رمزية تسمية هذا اليوم والتذكير به عبر احياء الفعاليات الشعبية والجماهيرية تكمن في أن الأرض شكلت على الدوام محور الصراع الوجودي الفلسطيني الصهيوني بشكل خاص والعربي الصهيوني في الإطار الأشمل كما كانت وستبقى لب قضية حاضر ومستقبل وبقاء الشعب الفلسطيني الأمر الذي يجعل من التشبث بها والنضال الدؤوب من أجل الحفاظ عليها حرة ومستقلة مسألة حتمية ومصيرية لا حياد عنها ولا نقاش فيها أو مساومة بشأنها.
وكما كان ليوم الأرض انعكاساته وارتدادته على الواقع الفلسطيني حيث كرس المقاومة كنهج وطريق لاستعادة الحقوق والحفاظ على الثوابت فقد شكل أيضا ملهما ودافعا نحو قيام انتفاضات متلاحقة في فلسطين بدءا بانتفاضة العام 1987 وصولا إلى الانتفاضة الثانية عام 2000 والتي جددت التأكيد على حيوية هذا الشعب وقدرته على ابتكار اساليب النضال وتطويرها بما يتناسب مع المراحل التاريخية المتلاحقة.
وحتى يومنا هذا تظل ذكرى يوم الأرض حافزا لاستمرار النضال الفلسطيني بكافة تنوعاته ومواقعه سواء في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 أو في الضفة الغربية وقطاع غزة وحتى في دول الشتات التي هجر إليها الفلسطينيون إثر النكبة لتؤكد بشكل مستمر على أن هذا الشعب لن ينسى حقوقه وسيظل متمسكا بهويته وكرامته مهما اشتدت عليه الصعوبات وارتكبت بحقه الجرائم والمجازر المتلاحقة.
واليوم وبعد مرور تسعة وثلاثين عاما على أحداث يوم الأرض يواصل كيان الاحتلال السير في سياساته العنصرية والتعسفية والاجرامية بحق الفلسطينيين وأرضهم ومقدساتهم مستندا إلى تآمر أمريكي وغربي وصمت دولي فاضح فيما يصر الفلسطينيون على التمسك بأرضهم وحقوقهم مستندين إلى دعم قوى المقاومة في المنطقة وعلى رأسها سورية التي تتعرض لعدوان ارهابي مستمر من قبل الولايات المتحدة وهذا الكيان الغاصب وحلفائهما الغربيين وأدواتهما من ممالك ومشيخات الخليج ونظام رجب طيب أردوغان بسبب تمسكها بمواقفها تجاه القضية الفلسطينية والقضايا العربية ورفضها لكل محاولات السيطرة والهيمنة على المنطقة ومقدراتها.