تقدم السياسة الأميركية خلطتها الجديدة في نسختها الأخيرة, بعد أن استنفدت كل ما سبقها، وأخرجت ما في جعبتها لتضعه في سلة الرهان الأخير المفتوحة على طاولة المتاجرة الأميركية باعترافات لا تقدم ولا تؤخر.
الفارق فيها أن الرئيس الأميركي ذاته يدخل على خط المشاركة المباشرة، ويقدم مزيجاً من الفانتازيا والسوريالية، وأحياناً يضيف التعويذات السياسية التي نطق بها «مفوه» سياسة الغرف المغلقة والأقبية السرية، بعد أن أنتجت الجزء الأكبر من تلك الفانتازية الأوبامية على المفاز السوري.
في الحسابات الجزئية وربما الكلية تقتبس المعادلات الناشئة مما سبقها، وهي تنتقي مفردات خلطتها لتكون على مقاس المعادلات التي أنتجتها الهيمنة، كما تختار مصطلحات الإدمان على الغَرْف من المهمات الموكلة في الأدوار القذرة التي أدارتها وتديرها السياسة الأميركية في المنعطفات المفصلية، لتكون ورقة أخيرة، وربما وحيدة في مقامرة نهائية لإعادة هيكلة خريطة المنطقة والعالم بمكوناتها الإثنية والعرقية والدينية.
اللجوء إلى إعادة خلط الأوراق اقتضى بالضرورة إعادة تحريك المياه الراكدة والآسنة في الآن معاً، بعد أن وصلت رهانات واشنطن على المرتزقة ومشغليهم إلى الحائط المسدود، وهي تتلمس ملامح خيبة لا تقتصر على ما نشاهده في جزئيات المشهد، ولا في عناوينه.. بقدر ما تظهر في الخيارات والبدائل التي تحاكي بدورها جزءاً من صورة افتراضية بدت باهتة وغير مقنعة، وتحولت إلى أطلال خائبة، عجز الخطاب الأميركي عن التقاط خيوطها المتناثرة بين حماقة الأدوات وتعثر الوكلاء، فجاءت مشوهة في الشكل والمضمون.
الاحتماء الأميركي بالتنظيمات المتطرفة وبالمنظمات الإرهابية ليس جديداً، ولا يشكل وافداً طارئاً على قاموس الدبلوماسية الأميركية، لكنها حين تقدمها على أجنحة داعش وأخواتها المدرجة على قائمة الإرهاب الأميركية تبدو عيسرة الهضم، نتيجة المزج الطائش بين مفردات لا يمكن أن تهضمها أي سياسة، ولا تقدر على تبريرها أو شرعنتها أي دبلوماسية، خصوصاً أن ما تظهره الوقائع لا يعني أن القطيعة الظاهرة هي حقيقة في الخفاء أو في الغرف المغلقة، التي يجيدها الساسة الأميركيون لتكون صفحات في مذكراتهم بعد الإحالة إلى التقاعد أو الخروج من سكة الدبلوماسية.
بهذا التوصيف تتقدم السياسة الأميركية ببلاغ صريح وواضح عن إحداثيات تموضعها، وهي الخارجة لتوها من غرف الإنعاش، ومن خلف سواتر التنظيمات الإرهابية، التي باتت لاعباً محورياً في فرض رسم خلافتها في المنطقة، أو لتكون المؤتمن الجديد على المصالح الأميركية بوجوهها الجديدة وحلتها المقتبسة عن الأطماع الأوروبية التقليدية، ويتحول هاجس العلاقة والتباين الحاد في المقاربات -سواء كان بين الحلفاء أم بينهم وبين أدواتهم في المنطقة- إلى نقاط خلاف تتمترس معها حالات الرعب المنظم الذي ينتاب الدول الوظيفية ومستقبلها.
والسؤال الملتبس القائم الذي تزيد الخلطة الأميركية غموضه وحدة التباسه يظل: هل ستكون تلك التنظيمات بديلاً من تلك الدول أم هي في نهاية المطاف عكاز مؤقت اقتضته حالة الإفلاس ومتاهة الغرق في وحول الافتراض وارتجاج الصورة لدى صانع القرار الأميركي؟!
الواضح أن الارتباط بين الوكلاء التقليديين بأدوارهم الوظيفية والتنظيمات الإرهابية كان جسر العلاقة مع الغرب، التي تم تحضيرها لتكون على رأس لائحة الخلطة الأميركية، لكنه لا يفسر حالة الهلع التي اقتضت استنفاراً في مشيخات الخليج ورعباً في الأوساط الأوروبية، إلى حدود العويل والصراخ من الإرهابيين الخائبين أو الناقمين على الغرب بعد عودتهم من سورية.
لكنها قد تكون إضافة سياسية إلى عوالم العم سام الذي ينشغل في نسج إحداثيات الخرائط، لتكون على مقاس خلطته أو تتناسب مع مكوناتها، وتشكيل المحاصصة داخلها حتى لو اقتضت أحياناً تدويراً جزئياً أو كلياً في بعض الزوايا، التي تتباعد حدتها وتتزايد نقاط الاشتباك داخلها على وقع الخلافة الداعشية ورؤيتها المجهرية في فانتازيا الوقت بدل الضائع.
بقلم: علي قاسم