دمشق-سانا
تدل مجموعة “قصائد” للشاعر طلعت سفر على تجلي موهبة شعرية ترفل بثقافة غير قليلة مزركشة بمراحل الشعر العربي منذ الشعر الجاهلي مروراً بالعصور الأخرى إلى يومنا هذا فأخذت لطريقها حلاً معتدلاً يمكن أن يقنع المتلقي الذواق.
حاول سفر أن يلتزم بحور الخليل بإنتمائه الشعري وكانت الموسيقا عنصراً أساساً في حركة القصائد وكانت الدلالات لا تتعدى ما يخص الإنسان وهذه الأشياء جاءت من وسائل حياتية يتناولها كل البشر مما يشي بوجود أسلوب انسيابي سهل ممتنع يقول في قصيدة /نداء/..
“أقسى من الوجع المرير وأطول .. فجدار هذا الليل لا يتقلقل
يفتن حين يحيك ثوب سهاده .. حتى يغازله الصباح المقبل
ما للهوى وطن لديك يزوره .. يوم وليس له بقلبك منزل”.
ومن خلال قريته يرى طلعت سفر جمالاً وارفاً غير كل ما رآه من جمال فيصفه من خلال جرح موجع مليء بالأشجان وبالعواطف وبمزيج من النشوة التي لا توصف فكانت جزءً معبراً عن الوطن بكل جزئياته فاستسلم قلبه على أعتابها كما في قوله..
“لي ضيعة كجراح العشق موجعة .. لكن قلبي على أهدابها صلبا
تسللت من يد النعمى وأسلمها .. دفع الليالي بها الأحداث
والنوبا أرخى الزمان عليها ظل شقوته .. تمتد مثل سواد الليل منسحبا”.
ويرى سفر أن الشاعر ذلك الإنسان الذي لا يعرف إلا الحب فهو الذي يقاسم الآخرين همومهم ويحس بالوجع ويترك الفرح للآخرين لأن الموهبة التي تسكنه تدفعه ليكون إنساناً إضافة إلى ما يعنيه كشاعر من ثقافات ومعارف كقوله في قصيدة “الشاعر” ..
“هذا الذي ترتديه كل بارقة .. وليس يلقى لغير الحب مفترقا
مشرد كدموع الحب مرتعش .. كنورس أتابت أسفاره الأفق
لا تحتويه زمانات وأمكنة .. ويحتوي عالماً من صنعه عبقا”.
أما الذكريات التي عاشها سفر تتسرب إلى شعر التفعيلة لتساهم في نسيج لوحاته حيث اقتطف من بحور الخليل بعض أنغامه الموسيقية وطرزها بالماضي حتى يجعل الجمال يتسرب بسببها إلى الحاضر كما يحافظ على وحدة الموضوع وسلامة القصيدة بما تمتلكه من مكونات تجعل التفعيلة قريبة جداً من قصيدة الشطرين كقوله في قصيدة “تغريبة للحزن”…
“ما زلت طفلاً بعد .. في حاراتها أعدو .. ويسبقني خيال
أتوشح اللهو البريء .. وكل ما أقصرت من تعب .. يناديني تعال
بين السواقي والعرائش كنت أنشره وما بين التلال”.
ويعتبر سفر أن الصداقة هي رصيد الإنسان الحقيقي في الحياة عندما يشارك الصديق صديقه آلامه وأحزانه فكون نصه الذي جاء بعنوان “الصديق” من ألفاظ بسيطة عبر تفعيلات مجزوء البحر الكامل وجاءت بعفوية وبساطة محاولة أن تكون رابطاً إنسانياً يربطها بالمتلقي يقول ..
“ليس الصديق الذي يعتم من فرحي .. بل من يشاركني حزني وآلامي يقضي الليالي إذا ما غالني سهد .. بجانبي ويداري طفل أحلامي
يسدي المشورة إذا ما حاجة عرضت .. وإن نبوت تجده غير لوام”.
واعتمد الشاعر طلعت سفر على أشكال مختلفة في تكوين النصوص الشعرية وفق الدلالة والإيحاء أكثر من اعتماده على افتعال حدث أو قصة ثم يسقط دلالته وإيحاءه على الموضوع الذي يذهب إليه المجموعة الشعرية من منشورات اتحاد الكتاب العرب تقع في 357 صفحة من القطع المتوسط.
محمد الخضر