الشريط الإخباري

والأرقام تشهد ..بقلم: أحمد حمادة

تزعم الإدارات الأميركية المتعاقبة، وآخرها إدارة الرئيس جو بايدن، أن خصوم أميركا وأعداءها على امتداد القارات هم من ينتهكون حقوق الإنسان، ويدوسون على آدميته، ويجوّعونه، ويقتلونه، كما هو الحال في تقارير الخارجية الأميركية حول ما يجري في الصين وروسيا وسورية وغيرها الكثير، أما هي وحلفاؤها وأدواتها وأتباعها فهم في توصيف تلك التقارير ملائكة باحترام الإنسان وآدميته والحفاظ على حقوقه.

ومن المفارقات العجيبة، التي تسم سياسات واشنطن، أنها تبتزُّ خصومها بمثل هذه الترهات، وتحاول إخراجها من أدراجها كلما دعتها الحاجة، فنراها تتاجر بمآسي البشرية، وتستثمر بقضايا اللاجئين والفقر والعنف ضد المرأة وازدراء السود، ونراها تعلي الصوت لإقناع البشرية بأنها المدافع رقم واحد عن حقوق الإنسان، في حين تقول الوثائق والوقائع والحقائق والأرقام إنها هي من تنتهك حقوق الإنسان، وهي من تميّز بين السود والبيض، وتفرق بين مختلف الألوان والأعراق، وهي من تحاصر الشعوب وتشردها وتقتلها.

وبناء على هذه القاعدة فإن “حقوق الإنسان” التي تقيم واشنطن الدنيا حولها ولا تقعدها ليست حقوق الإنسان الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، ولا تلك التي جاءت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أو التي نصّت عليها الاتفاقات الدولية وتضمنتها مبادئ المؤسسات الحقوقية العالمية، بل كل ما يتناسب مع مفاهيمها المزيّفة، وبما يخدم هيمنتها على العالم، ويحقق مصالحها.

وكي لا يكون كلامنا مجرد اتهام لا أساس له، ولا هو من باب التكهنات والتنبؤات، يكفي أن نشير هنا إلى تقارير واشنطن الدورية حول حالة حقوق الإنسان في العالم، حيث المفارقة المثيرة للسخرية واضحة في ثناياها، فهي دائماً تتهم الدول “غير الصديقة” لها، أما أصدقاؤها وحلفاؤها فلا وجود أي حرف عن انتهاكاتهم، حتى ولو كانوا مجرمي حرب، ومثال الكيان الإسرائيلي خير شاهد، فأي مصداقية إذاً لهذه التقارير التي تغفل جرائم كل حليف وصديق، وتهاجم كل خصم، حتى ولو كان ملتزماً بمعايير احترام حقوق الإنسان.

وكي يكون كلامنا موثقاً نسوق هنا فقط هذه المعلومة عن انتهاكات الولايات المتحدة لحقوق الإنسان في العالم، وبشهادة الصحافة الغربية ذاتها، فهذه ”غلوبال تايمز” تنشر على صدر صفحتها الأولى قائلة: “إن عدد الوفيات بسبب العقوبات الأميركية على بعض البلدان منذ الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا تجاوز حصيلة الضحايا في جميع الحروب في الفترة نفسها”.
وبعد كل هذا يفاخر أقطاب السياسة في البيت الأبيض بأنهم المدافعون عن حقوق الإنسان، مع أن القاصي والداني يدرك أنهم من قتلوا البشر وحاصروهم وغزوا دولهم، وأنهم من يسيئون معاملة الملونين، ويحاربون اللاجئين والمهجّرين، وما يجري على حدودهم مع المكسيك ليس ببعيد، ولهذا كله فإن متاجرتهم بهذه الورقة هي مجرد وسيلة سياسية للمساومة والابتزاز، كي تبقى إمبراطوريتهم أحادية القطب، وكي تستمر هيمنتهم على هذا العالم المنكوب بإستراتيجياتهم العدوانية.

 

انظر ايضاً

أكبر مجزرة “صحفية”.. وعالم يكتفي بالإدانة!.. بقلم: أحمد حمادة

هنا في غزة، لا حماية دولية للصحفيين، لأن “المدلل غربياً” هو الجلاد الصهيوني، هنا قواعد …