صفاقة أممية

بدا المجتمع الدولي الآن متلبّساً بممارسات على قدرٍ عالٍ من الصفاقة في تعاطيه مع أخطر الملفات التي تواجه العالم عموماً ومنطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص، وهو ملف الإرهاب الذي بات الأكثر سخونة وحساسية في تراتبية الهواجس التي تشغل بال الشعوب هذه الأيام.

بالفعل لم نجد تعبيراً أدقّ من مصطلح “الصفاقة”، ونحن نعاين التصريحات المقترنة بسلوكيات معلنة تعمل على تجزيء هياكل الإرهاب النشطة التي تتوعّد تراكمات حضارية عمرها آلاف السنين بالزوال عن وجه هذا الكوكب، كما تهدد حياة مجتمعات بشرية بأكملها بالفناء.. ونتحدّث هنا عن التهديد والوعيد بالمعنى المرتبط بالآثار والنتائج، وليس المقدّمات، التي قد تأتي على سبيل التخويف والإرباك، وهاكم الشواهد ماثلة تصرخ وتستصرخ هنا في سورية والعراق، لكن بلا رجع للصدى!.

لقد تمّ استثناء كامل الجماعات التكفيرية والتخريبية من قائمة الاستهداف المفترضة للإرهاب، واختُزلت المسألة باختراعٍ حديث الولادة اسمه “داعش” بات هو الهدف لاستعراضات طيران التحالف، كما كان المَخرج للكثير من الأنظمة المتورطة بإنتاج ورعاية الإرهاب، والأداة المبتكرة لإبراء الذمم ونفض قرائن الاتّهام المباشرة والدامغة بدعم الإرهاب.

فكان إعدام الطيار الكساسبة – مثلاً – مناسبة لتحويل الانتباه عن نشاط كل المجاميع الإرهابية والتركيز على داعش.. وبات لا بأس بالتحالف مع “جبهة النصرة” وأشباهها من الجماعات الإرهابية، وقد يكون إطلاق أبو محمد المقدسي منظر السلفية الجهادية ومنع محاكمته مؤشّراً على نيات المصافحة الجديدة مع القوى المناوئة لداعش على خلفيات مصلحية وليس عقائدية.. فهذه الأخيرة لم تعد إرهابية في الأعراف الجديدة، والتحالف معها اكتسب مشروعية الإعلان بعد طول مخاتلة مواراة لحقائق التواصل!.

ويبدو أن ثمة إشارات بل إيعازات واضحة صدرت بهذا الاتجاه وجرى تعميمها على “محافل” رعاية وتدجين الإرهاب.. يمكن قراءتها من خلال التحالفات الجديدة التي بدأت تظهر في هيكليات الجماعات الإرهابية الناشطة هنا في سورية، وطي صفحات النزاع والصراع فيما بينها.. فهكذا وبدون مقدمات عُقدت الصفقات بين ما يسمى “جبهة النصرة والجبهة الإسلامية” في الغوطة الشرقية، لتتزامن معها صفقات مشابهة لكنها أكثر إثارة للريبة في الشمال السوري بين أجنحة “علمانية” تدعي المعارضة للدولة السورية وأخرى “تكفيرية” وإلغاء كل أشكال التباين العقائدي والمبدئي المفترض بين مفهومي العلمانية والسلفية وتطبيقاتهما، لنقف أمام تساؤلات صعبة تفرض نفسها هنا، لا نعتقد أن ثمة إجابات شافية لها إلا في محتوى الظنون التي تشير إلى أوامر مباشرة من جهات على قدر من السطوة من شأنها جمع الأفرقاء والأضداد على قاعدة الفعل التنفيذي لأجندات في غاية الشبهة؟!.

وقد كان مما يستحق التمعّن والتروي في التفكير والتأويل أن تعلن “إسرائيل” نيتها الدفاع عن الأردن فيما لو “تعرّض لهجوم من داعش”.. داعش وليس سواه من التنظيمات الإرهابية التي لا مشكلة لها مع “إسرائيل”، رغم النهج ذاته والنسق الفكري والسلوكي المتشابه إلى حد التطابق بين إرهاب، من أُعلنت الحرب عليه، وآخر بدأت ملامح الإعلان صراحة عن التحالف معه، وهذه معادلة مازالت متمردة على الحل في أذهان المراقبين والمحللين.

أي لغزٍ لن يفسره إلّا الاقتناع بالحقائق التي تؤكدها مجريات الميدان السوري، وهذا بات استحقاقاً في ذمة المجتمع الدولي بهيئاته ومنظماته وزعاماته، وعلى العالم أن ينتظر تفسيراً صريحاً أو رداً يحمل موقفاً دولياً.

بقلم: ناظم عيد