الشاعر محمود اسماعيل اختار طريقه الخاص ولم يهمل التراث

دمشق-سانا

دائما نحاول أن نكتب ما نتمناه لكن بالنهاية نكتب الشيء الذي نستطيعه وقد يكون السير في طريق الحلم أجمل من تحقيقه تلك هي فلسفة الشاعر محمود اسماعيل التي يطل منها إلى حياة مهما كانت جميلة فإنها في القصيدة أكثر جمالا وأقل بشاعة.

ويوضح اسماعيل في حوار مع سانا الثقافية أن الأدب ابن بيئته لذلك كان لأسرته دور كبير في تعلقه بالكتابة فهو شقيق لشاعرين الأكبر الراحل شوكت الذي علمهم حب الأدب والأصغر عيسى الذي توج تجربتهم الأدبية بفوزه بجائزة سعاد الصباح عن مجموعته “زوادة الإيماء” حيث اعتبروا ذلك نتاج أسرة أدبية في حصاد فرد منها.

وبين اسماعيل أن مجموعته الأولى “صلوات للغيم الهارب” تناول فيها الهموم الإنسانية وما تعرض له الوطن جراء الإرهاب والتغني بالشهداء وبالقرية التي هي عنده بمثابة وطن أصغر إضافة إلى الهم الوجداني أما مجموعته “إلى آخر العمر أنت” الصادرة عن وزارة الثقافة فهي مهداة إلى شريكة العمر “التي تقف معي دائما عندما اتألم وتشعر بي دون أن أتكلم”.

وعن التطور الذي حدث بين مجموعته الأولى والأخيرة أوضح اسماعيل أن الأولى تضمنت قصائد تحدثت عن الظروف التي عاشتها البلاد بشكل بسيط وسلس وشفاف ومباشر أما المجموعة الأخيرة “كنبوءة تأتي” فحضرت فيها العاطفة أصيلة صادقة مندفعة بهدوء وحزن لأن الدماء المنسكبة من جروحنا خف تدفقها من دون أن يعني ذلك عدم المصداقية في تناول الأشياء بل يشير إلى خبرة أكثر في التعاطي معها.

وعما إذا كانت الحرب انتجت أدبا وشعرا ورواية يرى اسماعيل أن ذلك تم وإن كان من المبكر الحكم بمدى قدرته على التعبير بشكل مناسب عن التضحيات والالام التي طالت الوطن مشيرا إلى أن الشعر ابداع وهو تجربة مستمرة لا  تصل إلى نقطة معينة وتختتمها إنما تواكب ما يجري بطريقتها.

وعن الحداثة الشعرية يرى اسماعيل أن بابها مفتوح فلو نظرنا إلى تجربة ادونيس لوجدناه متجددا ومختلفا في كل مراحل عمره وهذه أحد أسرار استمراره وتألقه لأنه بدأ بالشعر العمودي ومشى على خطوات المتنبي ثم التفعيلة وبعده النص المفتوح لكن في مرحلة لاحقة شق طريقا آخر مؤكدا ضرورة أن يختار الشاعر طريقا يخصه ويشبهه دون أن يهمل تراث الأقدمين انطلاقا من أن الحداثة يجب أن تكون بالشكل والمضمون معا فقد يحمل النص شكلا معاصرا لكنه يخلو من أي رؤية للحداثة.

ويتوقف إسماعيل عند تجربة الشاعرة العراقية نازك الملائكة كأحد أوائل الشعراء الذين دخلوا الحداثة واستمرت في التجريب.

وحول موقفه من قصيدة النثر يستحضر اسماعيل قول أحد النقاد: “الشعر رقص والنثر مشي فارقص لكي نصفق لك” لافتا إلى وجود نصوص نثرية رائعة قد تتفوق في أحيان كثيرة على الشعر ولكن يبقى اسمه نثرا مثل كتابات نزار قباني ومحمود درويش وممدوح عدوان النثرية الجميلة جدا إضافة إلى أشعارهم.

ويعول إسماعيل على أهمية الموسيقا الداخلية في النص التي تأتي من السلاسة والترابط وانسجام الأحرف والكلمات وعلى ضرورة أن يحمل النص النثري مضمونا عاليا لأن القصيدة العمودية أو التفعيلة أن شكت من كون مضمونها بسيطا وسطحيا لكن فيها موسيقا تحمل القصيدة أو النص.

وعن المشهد الشعري السوري اليوم يصفه اسماعيل بالمظلوم كالكثير من الجوانب في بلادنا التي طالتها جروح الحرب.

وعما يميز تجربته عن أخويه يقول اسماعيل “توجد خصوصية بين ما كتبته وبين شعر عيسى جراء حياة عشناها معا اكتسبنا خلالها كثيرا من الأفكار المشتركة ونهلنا الثقافة من منبع واحد وكنا ثلاثتنا نطرح قضية أدبية للنقاش ونأخذ برأي أي واحد منا يكون مهما ومقنعا وكنت أميل إلى رأي عيسى في مواضع عدة وأعتبره أكثر كمالا ولكنه في فترة من الفترات قلل من الكتابة العمودية واتجه نحو قصيدة التفعيلة أما بالنسبة لشوكت فكان يكتب الشعر العمودي حصرا ولعلي أكون أنا نقطة الوسط بين الاثنين”.

ويرى اسماعيل أن العمق والإيحاء ضرورة للقصيدة ولكن المباشرة التي قد تكون عيبا من عيوب الشعر هي أحيانا أداة جميلة للتعبير عن جرح نازف مؤكدا ضرورة التمييز في الكتابة الإبداعية بين النصوص المعدة للقراءة وتلك المعدة للسمع فعندما نكتب على ورق نكون اخترنا جمهورا وقراء معينين ولكن عندما نرثي شهيدا أمام جموع المشيعين يجب أن نستخدم لغة قريبة منهم.

ولا يمانع إسماعيل من اللجوء إلى الرمزية في الشعر بشرط ألا تكون طلاسم على حد تعبيره فالرمز برأيه جميل ولكن من الضرورة أن نعطي مفاتيح للقارئ لكي يعرف كيف يتلقى النص.

 بلال أحمد