الشريط الإخباري

بالحب والرعاية والاهتمام.. عائلة تحول إعاقة أبنائها إلى حافز للفن والإبداع

طرطوس-سانا

لم يدخر المهندس سامي يوسف وزوجته سهيلة جهداً ولم يوفراً مسعى ولا طريقة في الرعاية والاهتمام وخلال ثلاثة عقود من الزمن من أجل أن تنال ابنتيهما زيناء ورهف شهادات عالية من كلية الفنون الجميلة متجاوزتين بذلك إعاقتهما السمعية والنطقية بما تبدعانه من لوحات فنية رائعة وتصاميم إعلانية مميزة.

فمنذ السنوات الأولى التي كشفت للأب والأم حالة زيناء بذلا كل ما يمكن أن يقدمه والدان يتحليان بالكثير من الوعي والمعرفة لزيناء ومن ثم لشقيقتها رهف التي ولدت بعدها بست سنوات كي تصلا إلى ما وصلتا إليه من علم وفن وحضور تؤكده يوماً بعد يوم أعمالهما الفنية الجميلة وإبداعهما الذي يكبر وينمو ويتسع رغم الظروف الصعبة التي تواجه أسرتهما حالها كحال الأسرة السورية بصورة عامة نتيجة سنوات الحرب.

السنوات الأولى تطلبت كما يروي الأب الانتقال إلى مدينة اللاذقية ومكابدة ما لهذه الخطوة من أعباء وتكاليف وذلك لإلحاق زيناء بمعهد خاص بالصم والبكم وتعليمها الكتابة والقراءة ونطقاً نسبياً للكلمات وذلك لمدة ثلاث سنوات متتالية.

ويضيف يوسف في حديثه لـ سانا عن رحلة المعاناة والتحدي إنه رغم كل الصعاب والتحديات التي واجهتنا كان الهم الأساسي هو توجيه قدراتهما بطريقة تتناسب مع الوضع الصحي وتأمين مستقبل جيد لهما فكان الاتجاه بتعليمهما الرسم منذ الصغر ومن خلال المتابعة والتدريب بمركز مجيب داوود للفن التشكيلي الذي شكل نافذة لهما للانطلاق والوصول إلى بداية الطريق معتبرا أنه وبالرغم من الأعباء المادية الكبيرة وعدم تسويق اللوحات إلا أن العمل استمر لتقديم كل ما تحتاجه زيناء ورهف لتتمكنا من تحقيق أهدافهما والوصول إلى ما تطمحان إليه بهذا المجال وخصوصا مع تشجيع الأخ الأكبر لهما يامن الذي هو الآخر خريج كلية الفنون الجميلة اختصاص نحت.

ويشرح يوسف كيف أن زيناء التي تخرجت عام 2013 من كلية الفنون الجميلة في حلب امتلكت هواية الرسم منذ الصغر وانتسبت مبكراً لمركز مجيب داوود لتتعلم أصول وقواعد الرسم على يد عدد من الأساتذة منهم الفنانان التشكيليان سليمان أحمد وعلي حسين وقد شاركت منذ ذلك الوقت وحتى الآن بمختلف المعارض التي أقامها المركز بالمحافظة فضلاً عن معارض أخرى كان آخرها معرض مدرسي الفنون في صالة عمريت الشهر الماضي.

تعمل زيناء منذ تخرجها على تخطي المرحلة الأكاديمية والبحث عن أسلوب خاص وموضوعات تجسد أفكارها وأحلامها وتطلعاتها المستقبلية وتعبر عن علاقتها بالواقع المحيط بها من خلال لوحاتها الجديدة التي تصور فيها مختلف المواضيع كالبورتريه والمنظر الطبيعي والطبيعة الصامتة فضلاً عن موضوع المرأة الذي تعالجه بإحساس مميز كما بدأ تأثرها في الحرب الراهنة التي تعيشها البلاد حيث قاربت هذه الأحداث وعبرت عنها بلوحة صورت فيها حجم الخوف والرعب الذي تخلفه الحروب على البشر وهي تعكف حالياً على تجهيز مجموعة من الأعمال لإقامة معرض لها في دمشق.

ورغم التشابه في الحالة الصحية والشهادة الجامعية إلا أن كلا من زيناء ورهف تفصحان عن حالة وجدانية ومشاعر دفينة خاصة بدت واضحة في رسومات روت كل واحدة منها قصة مختلفة الألوان والاتجاهات.

أما رهف التي تخرجت من كلية الفنون الجميلة في اللاذقية العام الماضي فتميل باتجاه تصميم الإعلانات والأزياء والألوان والتكوينات البسيطة ورسم الوجوه والأشكال الهندسية وهي لا تخفي طموحها للتعلم والعمل في مجال تصميم الأزياء وتسعى لذلك حيث شاركت بتنسيق الألوان لملابس الممثلين في مسلسل سوق الحرير وتعمل حالياً على تصميم بعض أشكال “اللوغويات” وكل ذلك بالاستفادة من برامج التواصل الاجتماعي وتقنيات الحاسب وقد حصلت على شهادة مؤهلات بعد مشاركتها بالمخيم التدريبي لبرنامج “دمج” الذي أقامته عدسة سلام أحد برامج الأمم المتحدة الإنمائية عام 2019 وتعلمت خلاله أساسيات التصوير والتصميم.

وتفتخر سهيلة يوسف بابنتيها وتجد فيما وصلتا إليه إنجازاً له قيمة خاصة أخذ من العائلة الوقت والجهد الكبير مضيفة إن تعلق زيناء بها طوال الوقت حتى في أوقات الدراسة دفعها لتعلم لغة الإشارة معها في مراحل الطفولة لتستفيد من توجيهات المدرسين بالتركيز على تعليم زيناء وبعدها رهف مخارج الحروف والنطق لتتمكنا فيما بعد من قول بعض الكلمات وإن كان بصعوبة بالغة ورأت أن التعب الأكبر كان مع زيناء الهادئة ليكون الوضع أسهل مع رهف وطموحها اللامحدود ما شكل حافزا آخر للاستمرار بطريق النجاح حتى النهاية وقالت إن هوايات زيناء ورهف لا تقتصر على الفن التشكيلي بل إنهما يتفننان حتى بالأعمال المنزلية وصناعة المأكولات والحلويات.

هذه العائلة حالة خاصة لا تمثل فقط قصة نجاح وتفوق أصحاب ذوي الإعاقة السمعية وإنما هي تجربة رائدة لعائلة سورية صنعت معجزة حقيقية مع رحلة معاناة مريرة وشاقة لتكون قدوة لغيرها وخصوصا مع تطوع زيناء قبل التحاقها بالعمل في مديرية تربية طرطوس لتعليم الأطفال في معهد الإعاقة السمعية على مدى ثلاث سنوات ومعها رهف ووالدتها في بعض الأوقات لتقديم المعرفة التي اكتسبنها على مدى سنوات طويلة لمن هو بحاجة إليها.

 خير الله علي-فاطمة حسين

انظر ايضاً

4 محطات وقود حكومية إضافية تتيح دفع ثمن المحروقات إلكترونياً

دمشق-سانا أعلن المصرف التجاري السوري إضافة خدمة تسديد قيمة الوقود إلكترونياً باستخدام بطاقته