S A N A الوكالة العربية السورية للأنباء
حمص-سانا
شكلت ظاهرة “النيوليبرالية” وصفة جاهزة للتغلب على المشاكل الاقتصادية سواء للبلدان التي شهدت تحولا من الاقتصاد الموجه نحو الرأسمالية أم البلدان التي عانت من صعوبات اقتصادية عبر سياسات ليبرالية في صيغ جديدة مثل “التقويم الهيكلي” و”تحرير التجارة” و”الخصخصة” كما أسفر النظام الرأسمالي عن بزوغ مرحلة جديدة كانت سمتها “التوحش” و”التغول” في استغلال مقدرات الشعوب بتوظيف شعارات رنانة لم تنتج سوى الأزمات الاجتماعية والاقتصادية المركبة في العديد من دول العالم.
ويرى المهندس محمود نقشو عضو اتحاد الكتاب العرب وصاحب كتاب “نظريات في قفص الاتهام” أن الانعكاسات الاجتماعية لليبرالية الجديدة هي الأخطر على الاطلاق لأنها ترسخ الفوارق الاجتماعية معتبرا أن النيوليبرالية هي القناع الجديد للاستعمار الغربي المتمثل بشركات عملاقة متعددة الجنسيات تعمل على نهب خيرات وثروات شعوب العالم وحرمانها من رساميلها بنقلها إلى الخارج بشكل مقنن عبر الاتفاقات والمعاهدات التجارية المبرمة.
ويدعو نقشو إلى الوقوف في وجه الليبرالية الجديدة قبل فوات الآوان عبر إعادة تأسيس العلاقات بين الشعوب القائمة على التعاون والتكامل بعيداً عن منطق المصالح الضيقة.
ويقول الكاتب والأديب نزار بدور والموجه الاختصاصي الأول للغة العربية في مديرية التربية بحمص إن الليبرالية هي حالة وافدة تعزز الجوانب البراغماتية التي تخدم الأجندات الخارجية والتسويق لها وهذا يتعارض مع أسس مجتمعنا الفطرية والمكتسبة مؤكداً على أهمية دور الأسرة والمؤسسات التربوية والإعلامية والمجتمعية بترسيخ الانتماء وتفنيد المخططات الكبرى لأجيالنا والتأكيد على التمسك بالقيم الروحية والأخلاقية بالمعنى الحضاري منوها بغنى بلاد الشام وسورية بقيمها الروحية وثقافة الاعتدال والوعي.
الأديب عبد الكريم الناعم يرى أن الليبرالية الحديثة ابتكرت أساليب جديدة عصرية استهدفت تدمير تراث الشعوب العريق وموروثهم الفكري والتاريخي والاجتماعي و”أمركة الإنسان” وفق تعبيره لافتا إلى أن التمسك بالعادات والتقاليد والتراث بعيدا عن التعصب هو السبيل الوحيد لمواجهة كل ذلك.
المجتمع الشرقي رافض لمفاهيم الليبرالية الحديثة وفقا للباحث التاريخي المهندس جورج رباحية حيث تسعى هذه الظاهرة لمسخ هوية المجتمع وتلميع الفكر الغربي واستنساخه وطمس معالم الأخلاق عن طريق الانحلال ومحاولة الانقلاب على ثوابت ومبادئ المجتمع الإيجابية التي نشأنا عليها فيما يرى الباحث المهندس سامي الاسعد أن الليبرالية الحديثة مسميات لاستعمار جديد عن طريق تفقير الشعوب وإحداث الصدمات ضمن اساليب وقوالب مغرية لا يسقط بها إلا المغفلون أو المستفيدون.
اختصاصية علم الاجتماع سهام خضور أوضحت أن الفكر الليبرالي يسعى إلى تلميع الفكر الغربي واستنساخه دون وعي أو صدق مع الذات أو مع المجتمع أو حتى دون النظر إلى مدى ملاءمته لأفكار المجتمع وعاداته وتقاليده وتزيد خطورة الموضوع هذا في مجتمعاتنا العربية البعيدة كل البعد عن عادات وأفكار المجتمعات الغربية صاحبة هذا الفكر.
وأوضحت أن وسائل الإعلام لعبت دورا مهما في ترسيخ الانماط الاجتماعية الليبرالية من خلال تلميعها وإظهارها كأحد مظاهر الحياة العصرية التي يتوجب تقبلها وتعميمها داعية في هذا المجال إلى الاستفادة من الدور التوعوي لوسائل الإعلام وعدم الانجراف وراء عادات المجتمعات الغربية التي لا تتناسب مع أخلاق وعادات المجتمعات العربية.
من جهته أكد الدكتور ابراهيم ملحم مختص علم الاجتماع أن “النيوليبرالية” تدعو إلى إشاعة الحريات الفردية والسياسية والاقتصادية والدينية دون حسيب ورقيب لأن مفهوم الحرية هو الفكرة المحورية التي تبنى عليها كل السياسات من وجهة نظر الليبرالية داعيا إلى تحقيق سياسة اقتصادية عصرية بعيدا عن الدولة وكانت أفكارها الجديدة تقوم على احترام التقاليد الفردية والحقوق الأساسية للفرد ووضع قواعد وضوابط لأشكال السلطة فالأفكار النيوليبرالية لا يمكن أن تتماشى مع مجتمعنا لأنه يقوم على التماسك والتعاضد ولا يعيش في عزلة وهو قائم على احترام الآخر.
المختصة بعلم النفس لبانة شاهرلي استبعدت بدورها أن تخترق الليبرالية الحديثة المجتمع السوري رغم الغزو الثقافي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي وذلك بفضل عاداتنا وتقاليدنا المتأصلة التي تنبذ كل ما هو مشوه للأخلاق والقيم التي تبيح الحريات المطلقة.
وجهة نظر الشباب لا تختلف عن الأكاديميين والمتخصصين حيث يرى الطالب كرم عربش أن على الشباب أن يكونوا واعيين ومدركين لما يدور حولهم في العالم وخاصة أنهم الفئة الأكثر تأثرا واستهدافا في ظل عالم الانترنت محذرا من الوقوع في فخ المصطلحات والشعارات الرنانة التي تطرحها الليبرالية الحديثة.
