التشكيلي شفيق اشتي:دعم التشكيليين يساهم بترسيخ الهوية المحلية للعمل الفني

دمشق-سانا

ما زال التشكيلي شفيق اشتي يتذكر أولى لوحاته الزيتية التي رسمها قبل أربعة عقود بعفوية واقعية مبكرة وبأدوات بسيطة دون دراسة أو توجيه من أحد مدفوعا بشغفه وحبه للرسم والألوان والتي أعطاها عناوين تعبر عنها مثل “تنين البحر” و”الثلج” و”الليل” و”جنازتين” و”في خيمة البدو” حتى أثمرت هذه اللوحات معرضين لشاب في المرحلة الإعدادية والجائزة الثانية في التصوير الزيتي على مستوى سورية عام 1977 .

ويقول الفنان اشتي في حديث لسانا.. أنه عالج العناصر في لوحاته مثل الأوابد الأثرية والبادية والترحال وغيرها بمزيج من التعبيرية والواقعية وبتقانات تدعم وحدة العمل التشكيلي كما أن عناصره التي يكرسها في أعماله تقع في أغلب الأحيان في خلفية العمل الفني حيث يسقط عليها الكتل البشرية وخطوطها في حالاتها الإنسانية متعددة الأشكال والتي تقدم مسرحيات لموضوعات ساخنة في جوهرها وأحداثها.

وعن تأثير الأزمة على عمله الفني يقول إن هذه الأزمة ليست وليدة السنوات الأربع الماضية بل بدأت باحتلال العراق من قبل التحالف الغربي وهذا بالتأكيد أثر على عملي الفني وألواني وأصبحت أكثر رمادية وداكنة وأدركنا جميعا أن العاصفة السوداء قادمة لبلادنا ونحن لم ننس بعد فلسطين ونشارك معاناة أهلها فشاركت بنشاطات عديدة منها المسابقة العالمية بعنوان “الانتفاضة” بمناسبة يوم القدس العالمي عام 2006 بلوحة “الشهداء على الأكف” التي حصلت على الجائزة الأولى.ashte 1

كما عبر اشتي عن رؤيته لما ينتظر الدول العربية من واقع صعب فأنجز لوحة “هدية أميركا للقرن الواحد والعشرين” عام 2003 قياس 280 ضرب 140 سم من مقتنيات دار الأوبرا للثقافة في دمشق وهي ملحمة من الأجساد المتراصة المتحركة هاربة من مصائب ومكائد وخوف إلى المجهول.

وأنجز اشتي مؤخرا في العام الماضي معرضين الأول بعنوان “أجساد عابرة” والآخر “لمسات من الطبيعة” في مدينة عمان بالأردن حيث عكست المعروضات الحالة الراهنة لأوجاعنا وآلامنا.

وعلى صعيد الناحية الأسلوبية يتجنب اشتي الرياضيات الحسابية بمعنى الدقة المدروسة في رسم الأشكال وغيره ويلوذ إلى الانفعالية في الخط واللون ويستخلص الاشكال العفوية الناتجة من ملحمة الألوان والخطوط لتنظمها الخبرة في التعامل البصري مع عناصر اللوحة.

ويطمح صاحب لوحة “ترحال في البادية” التي حصلت على الجائزة الأولى في مسابقة الفنانين المعلمين في سورية عام 2006 إلى ان تصل لوحته إلى أكبر عدد من المتاحف الإقليمية والعالمية.

ويرى الأستاذ في كلية الفنون الجميلة بدمشق أن الحركة التشكيلية السورية تعتبر غزيرة الإنتاج مقارنة بمثيلاتها عربيا وأنها ازدادت نشاطا وتفاعلا أثناء الأزمة من خلال الإصرار على تحدي الظروف التي تفرزها الحرب الجائرة على بلدنا.

وبنظره فإن المعارض السنوية التقليدية وأهمها معرضا الخريف والربيع يعكسان الغزارة في إنتاج المحترف التشكيلي السوري ولكن ليس بالضرورة أن نحكم على معظمها بالنوع مشيرا إلى التجارب الحديثة وخاصة لجيل الشباب التي جاءت في معظمها بعيدة كل البعد عن الهوية المحلية لا تعدو سوى فوضى تم دعمها وتسويقها عالميا من قبل مؤسسات ثقافية غربية عكس التشكيليين السوريين السابقين ويؤكد اشتي ان الأجيال الأولى من التشكيليين السوريين ساهمت بوضع اللبنة الأولى في تاريخ الحركة التشكيلية السورية لافتا إلى ضرورة تطوير وإغناء الهوية السورية التشكيلية وترسيخها.ashte 2

ويرى أن الوسائل العلمية والخطط التدريسية الأكاديمية الفنية لدينا أصبحت قديمة وغير كافية لتأهيل وبناء وصقل مواهب الطلاب الشباب كما يغيب عن المؤسسات التعليمية الفنية الضوابط الصحيحة ابتداء بامتحانات القبول للطلاب وصولا إلى الإمكانات والمتطلبات والاحتياجات والمكتبات اللازمة للعملية التدريسية.

ويشيد بالمرسوم الرئاسي الذي سمح للطلاب الأوائل أن يكونوا معيدين في كلياتهم لتأهيلهم للإيفاد الخارجي وضمهم للهيئة التدريسية مما أعطى للمتميزين من الطلاب حافزا للإبداع والتفوق مطالبا مؤسسات الدولة بتبني أعمال المبدعين من الفنانين الشباب لاانتقال إلى سوية أعلى من التفاعل مع التراث الشرقي وتفعيل الهوية المحلية للعمل الفني.

كما لا يفوته الإشارة إلى دور الحقل النقدي التشكيلي في تصحيح مسارات التجارب الفنية وضرورة ان يتسم النقد بالموضوعية والاتزان وعدم المبالغة في القواعد والأسس التي يتبعها واكتساب الخبرة التشكيلية الضرورية لعدم التسرع في إطلاق الأحكام والابتعاد عن المديح والمجاملات في المقالات الصحفية.

وعن المراكز التشكيلية التابعة لوزارة الثقافة يقول اشتي..ان هذه المراكز استطاعت تقديم عدد لا بأس به من التشكيليين السوريين المهمين مع ضرورة وجود ترابط وتنسيق إداري بينها وبين كليات الفنون الجميلة من خلال اتباعهم لوزارة واحدة لتكامل العمل بينهم والأخذ بعين الاعتبار شهادة هذه المراكز بعد إعادة النظر في خططها التدريسية وجعل الدراسة فيها 3 سنوات لتكون مؤهلة لقبول الطلاب في كليات الفنون الجميلة.ashte 3

وعن أسعار الأعمال الفنية يرى اشتي ان الأسعار داخل سورية حاليا تمر بأزمة حقيقية وخاصة أن الليرة تتعرض لضغوط كبيرة وهذا انعكس على قيمة العمل الفني بالإضافة إلى مشاكل التسويق مع قلة الطلب على اقتناء العمل الفني.

ويقول..ان وزارة الثقافة هي الجهة الحكومية الوحيدة اليوم التي تقتني الأعمال الفنية من خلال المعرضين السنويين وهذا غير كاف ولا يلبي حاجة الفنانين وخاصة الشباب منهم مع ضعف المبلغ المقدم عن الأعمال المقتناة مقارنة مع الأسعار السابقة قبل الأزمة.

ويختم اشتي بالتأكيد على تفاؤله بمستقبل الفن التشكيلي السوري قائلا..إن الأزمات دائما تقف وراء الإبداع والعطاء الناجح والتفاؤل دائما حليفنا طالما جيشنا حامي العرض والأرض هو أملنا وحلمنا بالغد بسورية الموحد.

والفنان شفيق اشتي من مواليد السويداء عام 1958 درس في مركز الفنون التشكيلية بالسويداء وتابع دراسته في كلية الفنون الجميلة بدمشق وتخرج في قسم التصوير الزيتي فيها عام 1982 وحاصل على درجة الدكتوراة في أكاديمية بطرسبورغ الروسية للفنون في فلسفة العلوم الفنية عام 1989 وهو عضو في الهيئة التدريسية بكلية الفنون الجميلة بدمشق منذ عام 1989 وأوفد للتدريس في جامعة ذمار باليمن بين عامي 2000-2004 وله العديد من المعارض الفردية والجماعية داخل سورية وخارجها وأعماله مقتناة في العديد من دول العالم.

محمد سمير طحان