أطلقت الولايات المتحدة صفة المعارضة المعتدلة في سورية دون أن تسميها، وقررت أن تفرز لها أكثر من ألف ومائة من قواتها من أجل تدريبها تحت شعار مقاتلة ” داعش”، هي نظرية الأخطاء المستمرة التي دأبت عليها منذ أن تآمرت واشنطن ومن معها من دول أخرى غربية وإقليمية وعربية على تدمير سورية التي باتت أزمتها على مشارف العام الخامس دون أي أمل بتسوية سلمية بدل تلك الرغبات القاتلة التي تتجدد لديها والآخرين.
أكثر من ثلاثة ملايين منزل دمر في سورية حتى الآن، وعشرات آلاف الشوارع تحولت إلى أنقاض، وربما تجاوز عدد الشهداء أكثر من مائتي ألف، بينهم ثمانون ألفا تقريبا من الجيش العربي السوري، فإذا أضفنا إليها الخراب الاقتصادي والتراجع الكبير في قوة الليرة السورية، ثم إذا أخذنا بعين الاعتبار الخربطة الداخلية للسكان من نزوح وهجرة داخلية وخارجية وصل إلى حدود تسعة ملايين، كما هي الإحصاءات، ثم والأهم ماولدته تلك الحرب اللعينة في النفوس من آلام، وما ستتركه من بصمات مؤلمة على أكثر من جيل، بل يرشح بعض الأطباء أن تصاب تلك الملايين التي تقطن الخيام الكرتونية في كل من الأردن ولبنان وتركيا والعراق، أن يصاب أكثر من قاطنيها من المهجرين بالروماتيزم، فإن سورية تقف اليوم على حجم كبير من التخريب، جله صناعة خارجية ممولة ومدعومة من الولايات المتحدة ومن يدور في فلكها.
المصاب السوري الأليم يزيد مع دورة اليوم، وبشاعة المؤامرة المدبرة من أهل الحقد، إنما هي العامل الأساسي الذي يزيد من حجم المأساة. واللعبة الأميركية الخطرة في هذا المجال، إنها في الحين الذي يصرح أحيانا الرئيس الأميركي بأن لاحل في سورية سوى الحل السياسي، نسمع بين حين وآخر، جملا من تابعين، كأن يقول الرئيس التركي إنه لن يتراجع حتى يصلي في الجامع الأموي، ونسمع بعض العرب يقولون الشيء ذاته وبعضهم يريد الصلاة في هذا الجامع الدمشقي أو ذاك، مع أن الحكومة السورية لم تحظر على هؤلاء تحقيق رغبتهم التي كان بإمكانهم تحقيقها وفي ظل ترحيب وحفاوة سورية كريمة وبدون هذا التدمير وهذا التخريب وهذا القتل.
هنالك في الريف السوري إذن دمار هائل، وفي العديد من المدن السورية والبلدات الشبه ذاته، فلقد اخترعت هذه الحرب المجنونة على القطر العربي السوري لكي لاتترك بلدا اسمه سورية مثلما كان آمنا مستقرا وادعا، يأكل أهله بما يزرع دون حاجة لغذاء خارجي، ويصنع أهله مايحتاجه دون أية صناعة خارجية، الدولة تقدم لشعبها حاجاته الأساسية من تعليم وطبابة بالمجان تماما، ونكاد نقول أن سورية هي البلد الوحيد في العالم الذي لم يكن عليه دين. هذا النموذج من الدول المستقلة تماما لايروق للأميركي والإسرائيلي وبعض العربي والآخر الغربي، ففي زمن التبعيات لايجوز الاستقلال والقرار الذاتي، لهذه الأسباب مجتمعة ضربت سورية، فإذا أضفنا إليها الموقف السوري الوطني والقومي، والممارسة المقاومة وجزء من دول الممانعة المعروفة، نعلم بالتالي السبب الذي أدى إلى هذا التدمير المنهجي لها، وإذا قرأنا طبيعة الحرب التي شنت على المساحة الجغرافية السورية ومنهجيتها في تحقيق الإصابات القاتلة فيها ندرك أبعاد تلك المؤامرة وخلفياتها.