ما مشكلة حكومات الغرب مع هذه المنطقة؟ وكيف تفسر كلّ هذه الشراهة للدم من دول توصف بأنها «متحضّرَة».. حتى باتت حضارتها اليوم تقوم على بحر من الدماء؟.
إنها شراهة دول الغرب للسيطرة ولاستعمار جديد يطول الأخضر واليابس في هذه المنطقة, شراهة دفعتها لأن تكون «الباربي الشقراء» الخائفة من سواد الرايات التي نسجتها بأيديها, وصنعتها, وعلّقت عليها آمالها الاستعمارية ومصالحها.. إذ كانت تسعى لأن تكون دول المنطقة بأسرها دمى متحرّكةً بين يديها, وإذا بها تجد نفسها الدمية التي تعبث بها مستهزئةً أصابع التنظيمات القاعدية الداعشية بفكرها الظلامي التكفيري, لتهدم حضارة ثوراتها الصناعية, ولتترك حبال الموت تلفّ كل جنباتها.. وهذا كله نتاج السياسة الغربية المخادعة التي تتلوّن بألف لون ولون وتتقنّع بألف قناع وقناع تبعاً لمصالحها ومآربها.
وهولاند فرنسا ليس وحده من وفّر مظلةً إرهابيةً لامتداد الإرهاب العالمي, بل كان واحداً من وجوه كثيرة خطرة في رقعة الشطرنج الإرهابية الأمريكية ـ الصهيونية الراسمة لخطط السيطرة والهيمنة الجديدة على المنطقة بالتعاون مع أدواتهم وعملائهم فيها.. ورغم اكتواء فرنسا بنار الإرهاب الذي ساهمت في صنعه, فإنها مازالت تمارس الدور الإرهابي ذاته, بكل أهدافه الصهيونية وسياساته المعلنة.
فما كاد مولد الإرهاب ـ الباريسي ينفضّ حتى سارع قادة الإرهاب إلى تبادل الشكوى, ووضع حسابات وهمية, لم تعد تنطلي على شعوب العالم, وكأنهم لم يكونوا في إطار الصورة الإرهابية الواحدة, ولم يكونوا يداً واحدة في صنع إرهاب يندّدون به الآن نفاقاً وكذباً!
تُرى, ما الذي دفع أوغلو، الذي تجاهله هولاند في استعراض النفاق، كي يتحدّى «مواطنه» نتنياهو, مع أنه كان على بعد خطوات منه في ملحمة قادة الإرهاب؟!
وما الذي جعله يصف نتنياهو بالإرهابي حين قال عنه قبل مغادرة أنقرة في زيارة له إلى بروكسل: «إنه مثل الإرهابيين الذين نفذوا مجازر باريس.. لقد ارتكب نتنياهو جرائم ضد الإنسانية».. وكذلك ما تفوّه به رئيس جمهوريته أردوغان حين قال: يصعب عليّ أن أفهم كيف تجرّأ نتنياهو على المشاركة في التظاهرة التي جرت في فرنسا, بعد الاعتداء الذي استهدف صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة؟
وفعلاً يصعب الفهم, كيف تجرّأ أردوغان على أسياده في «إسرائيل» وهو أحد صبيانها في المنطقة، ويأتمر بإمرتها وبخاصة أن تمثيلية دافوس لم تغب بعد, ولن تغيب عن الأذهان في مخططات رئيس حزب «العدالة والتنمية» الذي سخّر كل قدرات تركيا للسير في اتجاه تنفيذ مصالح «إسرائيل» التي قدمت خدمات كبيرة له, ولم يبخل هو عليها في المقابل بخدمات الأخوّة والمواطنة؟
إن المخطط الاستعماري الذي ابتليت به هذه المنطقة ليس إلا محاولات لتجسيد حلمين منفصلين شكلاً, ومتحدين مضموناً وأهدافاً, هما: حلم إلباس المنطقة الطربوش العثماني، وحلم تفتيت المنطقة وتجزئتها للوصول بـ «إسرائيل» إلى «دولة يهودية» وجعلها قوةً ضاربةً في محيط دويلات طائفية ضعيفة تسيطر عليها, وعلى السيد العثماني «الغبي الأحمق» الذي يريد الإمساك بأوراق طائفية غذّتها المخططات الغربية- الصهيونية في المنطقة ووسّعتها ريثما يأتيه الدور في مشروع التقسيم المبيّت, ورغم ذلك لا يزال السيد العثماني يمارس دوره في دعم الإرهاب ويدعو إلى التوسع على حساب محيطه الإقليمي وبخاصة سورية التي يسرق قوت شعبها وحضارتها بأيدي إرهابييه ومرتزقته.. سورية التي لم يستطع, لا هو ولا أسياده, النيل منها بفضل صمودها ومقاومتها نيابةً عن العالم أجمع لمدٍّ إرهابي صنعه الغرب, وفي المقدمة منه أمريكا وعملاؤها في المنطقة لتنفيذ التقسيم المزعوم.
والسؤال المطروح اليوم: ما معنى أن يدعو أردوغان وأوغلو 102 دولة في العالم إلى المشاركة في إحياء مئوية معركة «جاليبولي» خلال الحرب العالمية الأولى التي تتزامن مع ترحيل الأرمن من تركيا؟ إذ قامت عام 1915 قوات فرنسية وبريطانية مشتركة بمحاولة احتلال العاصمة العثمانية استنبول, وقتل خلالها حوالي خمسة وخمسين ألف جندي من قوات التحالف الفرنسي- البريطاني.
وماذا يعني التذكير بتلك المئوية الآن؟! وكذلك الهجوم المبطّن بين الأخوين «إسرائيل وتركيا» إلا إذا كان أردوغان نفسه يشعر بأن سكين التقسيم وصلت إلى عنق بلاده وعنق أوهامه بعد أن وأدت الدولة السورية أحلامه بصمودها الأسطوري الذي أذهل العالم.
بقلم: رغداء مارديني