محور المقاومة: قرارات حاسمة مواجهة لأصحاب الخيارات الصعبة

يتطلع كثيرون من المعنيين بالمنطقة واستقلالها إلى العام الجديد مؤملين بأن تكون فيها نهاية مطاف الأزمة -العدوان الذي استهدف سورية وعبرها استهدف المنطقة ومحور المقاومة كله أو بدء النهاية، في حين يتطلع من خطط للعدوان وقاده أو أداره آملا بأن يكون العام الجديد عام تعويض الإخفاقات أوالحد من الخسائر ذات الطبيعة الاستراتيجية التي تشكلت إرهاصاتها في الأفق بشكل واضح. ومع الآمال المتعاكسة يطرح السؤال: أي من الآمال أقرب للتحقق؟‏

في الحقيقة لا يمكن الإجابة عن هذا التساؤل إلا انطلاقا من نتائج المواجهات التي حصلت حتى الآن، معطوفة على الإمكانات والقدرات التي ما زالت بيد كل من الأطراف المتواجهة، فضلا عما تتيحه تلك الإمكانات من خيارات أمام أصحابها.‏

ونبدأ مع جبهة العدوان بقيادة أميركا، ويلفتنا في البدء ما جاء في دراسة نشرت مؤخرا نقلا عن مراكز دراسات أميركية حيث ذكرت بأن «أميركا فقدت ما بيدها من أوراق في سورية والعراق فضاقت الخيارات عليها بشكل يجعلها عاجزة عن اعتماد خيار مؤثر يؤدي إلى تحقيق أي من الأهداف التي تصبو إليها في المنطقة».‏

ورغم أن الدراسة تلك صدرت في أميركا ذاتها، ورغم أننا على قناعة تامة بأن أميركا فشلت في كل ما طرحته من خطط عدوانية منذ أربع سنوات، إلا أننا وبموضوعية نقول:إن أميركا ما زالت تكابر وترفض الاعتراف بالفشل وتحاول كسب الوقت لإعادة تهيئة البيئة في المنطقة لطرح خطة جديدة تكون بمنزلة خطة الإنقاذ أوخطة تحديد الخسائر، أو أقله حرمان الخصم من الاستفادة من انجازاته.‏

وعلى هذا الأساس فإن التعامل الموضوعي مع المسألة يفرض توقع إطلاق خطة عدوان اميركية جديدة وبلبوس جديد. خطة لا تغيب عنها الحرب النفسية والتهويل والتي لجأ إليها في كل الخطط السابقة التي فشلت.‏

فأميركا تدرك أولا أن جبهة العدوان التي وصلت إلى حشد 133 دولة قبل عامين، أن هذه الجبهة تفككت ولم يقتصر الأمر على التشرذم بل وقع الخلاف والتناحر بين اكثر من طرف من حلفاء الأمس لكنها رغم ذلك تصر على المكابرة وترى أن تفكيك جبهة المقاومة وحلفائها قد يكون مدخلا جيدا لوضع خطة عدوان جديدة موضع التنفيذ ولذلك نراها تعول الآن وبشدة على الحرب الاقتصادية التي تشنها بقساوة على روسيا وايران الحليفتين الرئيسيتين لسورية في المجالين الرئيسيين للمواجهة (العسكري والاقتصادي ) فضلا عن السياسي، وهي الحرب التي جعلت النفط أداتها الرئيسية عبر تراجع سعره بشكل دراماتيكي لتحقيق امرين هما منع المساعدة الاقتصادية عن سورية وإلحاق الضرر بالاقتصاد الوطني للدولتين بما يضغط عليهما ويجبرهما على الانكفاء والتراجع عن دعم سورية والعراق لتتمكن من الانقضاض عليهما بخطة عدوان جديدة كما اشرنا..‏

ولا يفوتنا ما تقوم به أميركا ضد شبه جزيرة القرم الروسية، بقصد الضغط على روسيا أيضا والتي كان آخرها وقف شبكة الأنترنت ووقف العمل ببطاقات الائتمان وتحريك النقود مثل فيزا كارت أوماستر كارت. كما لا يغيب عن البال ما تستمر أميركا بممارسته من ضغوط أيضا على حزب الله.‏

اما على صعيد الطرف الآخر وفي مواجهة ما يمكن أن تطلقه أميركا من خطط عدوانية جديدة نرى أن محور المقاومة يظهر وعيا وجهوزية مميزة وصاغ ذاته ونمَّى طاقاته حتى بات جبهة متراصة تملك من القدرات ما يجعل تراجعه عن مواقعه أومواقفه أوتمكن الآخر من النيل منه بشكل استراتيجي مؤثراً، بات أمراً مستحيلا. وتأكيدا على ذلك فقد اتخذ من المواقف والسلوكيات ما يجعل المهتم يفهم ما اتخذ من قرارات بهذا الصدد ويدرك الرسائل التي تعنيها.‏

فعلى الصعيد الاستراتيجي نلحظ قيام منظومة تنسيق ثلاثية لمحاربة الإرهاب، كانت نتيجة الاتفاق الذي تم التوصل اليه بين إيران وسورية والعراق في العام الماضي، والذي وضع موضع التنفيذ في الميدان ولمس المراقبون بشكل محسوس تأثيره في كل من العراق وسورية، إلى الحد الذي جعل رئيس الوزراء العراقي يعد شعبه بأن تكون سنة 2015 عام تطهير العراق من الإرهاب، وكما ارتسم في سورية مشهد ينبئ بتراجع متواصل اكيد للجماعات الإرهابية أمام ضربات الجيش العربي السوري والقوات الرديفة والحليفة.‏

وعلى الصعيد العسكري تقرأ الرسالة المتعددة المضامين التي وجهتها إيران في الأسبوع الأخير من السنة، إلى الحلف الأطلسي واتباعه في المنطقة، عبر مناورات «محمد رسول الله « التي جرت في البر والبحر من الخليج إلى بحر عمان على مساحة مليوني م2 مناورات شاركت فيها القوات البرية والبحرية والجوية. حيث أكدت جهوزية إيران للمواجهة العسكرية الدفاعية في البر والبحر والجو، ووجهت بذلك ما يشبه الإنذار إلى الخصم بأن حربه الاقتصادية النفطية لن يترك له الاسترسال بها، وأن تهويله بالقوة العسكرية وتفعيل القواعد العسكرية الأطلسية في الخليج لن يجديه نفعا.‏

وعلى الصعيد الميداني وبعد الانجازات المهمة التي حققها الجيش العربي السوري والقوات الحليفية والرديفة في الميدان السوري ،جاءت الرسالة – القرار الحاسم في متابعة الحرب على الإرهاب، الرسالة التي أطلقت من جوبر الدمشقية، من خلال جولة الرئيس بشار الأسد الميدانية على مراكز القتال ومواقع العمل لحماية دمشق وقواعد الانطلاق لاستكمال تطهير ريف دمشق من الإرهابيين بدءا من استكمال اجتثاثهم من الغوطة الشرقية. فقد شاء الرئيس الأسد في ليلة رأس السنة ومن خلال حديثه للجنود وسهره معهم أن يؤكد بشكل قاطع أن موافقته أوسعيه للحوار السياسي بين السوريين، لا يؤثر بأي حال على قرار سورية في اجتثاث الإرهاب واستعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد. وأن سورية وحلفاءها ماضون في القرار هذا حتى النهاية فجاءت رسالته متعددة المضامين من ميدانية ومعنوية الى عسكرية وسياسية.‏

اماعلى الصعيد السياسي فإننا نلحظ الإصرار على السير قدما في مؤتمر الحوار السوري-السوري وفقا للمبادرة الروسية بحثا عن حل سياسي للأزمة ضمن الثوابت والمبادئ الوطنية السورية، وقد كان لافتا تجاوب عدد كبير من السوريين الذين وجهت إليهم الدعوة بصفة «معارض»، استجابتهم للدعوة التي وجهتها روسيا رغم علمهم بأن الدعوة جاءت تحت عنوان «حوار سوري دون شروط مسبقة»، ورغم أن نجاح مثل هذا الحوار ليس مضمونا إلا أن مجرد السعي اليه وبالشكل الذي يحصل الآن يشكل بذاته ورقة قوة لجبهة مقاومة العدوان الأجنبي على المنطقة.‏

إن تحليلا سريعا لهذا المشهد يقود إلى القول انه في الوقت الذي يجد فيه المراقب أن جبهة العدوان على المنطقة باتت مفككة تتخبط في تصرفات استعراضية غير مؤثرة وتواجه خيارات صعبة للمتابعة، وأن سقف أهدافها الجديدة لا يتعدى الاكتفاء باليسير حتى لا تتحقق الهزيمة الاستراتيجية، يجد أن جبهة الدفاع عن المنطقة وقرارها السيادي المستقل متماسكة متراصة وأنها اتخذت القرارات الحاسمة التي لا رجعة عنها، بدءا بقرار استراتيجي يتمثل بالعمل الجبهوي المنسق في الميدان، ثم القرار بمواجهة العدوان مهما كانت طبيعته، يتبعه قرار باجتثاث الإرهاب مهما كانت عناوينه ومخاطره، وأخيرا القرار بالسعي لحل سياسي يشارك فيه الوطنيون غير المرتهنين للغرب، وشتان بين حائر يتخبط بين خيارات صعبة وبين من يملك الإرادة الفولاذية والقرار ويهيئ القدرات تصاعدا لتحقيق الانتصار.‏

بقلم: أمين حطيط