الشريط الإخباري

المحترف التشكيلي السوري يسترد عافيته في العام 2014 ويبدأ تخطي آثار الأزمة

دمشق-سانا

شهد الفن التشكيلي السوري خلال السنوات العشر التي سبقت الأزمة حالة تطور وانتعاش كبيرة فافتتحت الكثير من صالات العرض الخاصة ونشطت المعارض والملتقيات في الداخل والخارج ووصل العمل الفني السوري لسوية عالية أهلته لدخول أهم المزادات والمعارض الفنية العالمية.1

بيد أن الأزمة التي بدأت عام 2011 ادت الى حالة من عدم التوازن في الحركة التشكيلية السورية بنسب تفاوتت من عام لعام فمع بداية الأحداث أخذت النشاطات التشكيلية الدولية من ملتقيات ومعارض بالانحسار داخل سورية لإحجام المشاركين الأجانب عن القدوم لسورية كما انحسرت مشاركات الفنانين السوريين في
الفعاليات التشكيلية الخارجية كنوع من الحصار المفروض على سورية.

يقول النحات أكثم عبد الحميد مدير الفنون الجميلة سابقا لسانا.. واجهتنا صعوبات كبيرة في دعوة الفنانين الأجانب للملتقيات النحتية التي أقمناها بداية الأزمة بسبب الإعلام المزيف حيث تردد الكثيرون في المجيء لسورية ولكن بفضل العلاقات الطيبة مع عدد كبير من فناني العالم تمكنا من إقناعهم بالقدوم والوقوف إلى جانب الفنانين السوريين لينحتوا أعمالا فنية يثبتوا من خلالها أن الإبداع في سورية مازال ينبض بالحياة.

وأوضح أن تأثير الأزمة المباشر على التشكيليين كأفراد تفاوت من واحد لآخر فمنهم من توقف عن الرسم نتيجة الصدمة جراء ما يحدث ومنهم من أثرت عليه ظروفه المحيطة فمنعته من الرسم وآخرون غادروا للخارج ومنهم وهم كثر استمروا بالعمل والإنتاج إيمانا بدور الفن وقيمته الإنسانية والحضارية.1

التشكيلي غسان السباعي لم يتوقف عن العمل والرسم خلال الأزمة رغم الكآبة التي يشعر بها ويرى أن التأثير المباشر للأزمة على العمل الفني يتفاوت من فنان لآخر فبالنسبة له زادت الحميمية في أعماله والحب في دعوة للتالف الانساني والهدوء والسلام لكنه يعتبر أن قلة الإنتاج التشكيلي خلال الأزمة جاء بسبب تواجد بعض التشكيليين في مناطق تشهد أحداثا ما أثر عليهم بشكل كارثي من كل النواحي.

التأثير المباشر في العمل الفني أيضا تفاوت من فنان لآخر فهناك فنانون تغير لديهم مفهوم العمل التشكيلي ودخلوا في تجارب جديدة على صعيد اللون والاسلوب والتقنية والمواضيع ومنهم من ظهرت على أعماله تأثيرات لونية وغيرهم نأوا بأعمالهم عن أي تأثير مباشر فاستمروا بذات الأسلوبية الفنية.

التشكيلي نزار صابور اشتغل خلال الأزمة على عدة مواضيع من وحي الأزمة ويرى أن الحركة التشكيلية كانت هي الحلقة الأضعف بسبب انتمائها للمجال الثقافي غير المحمي بشكل كاف خلاف الدراما التي ترتبط بجهاز شعبوي إعلامي يدخل إلى كل بيت معيدا قلة النشاطات التشكيلية خلال الأزمة لسفر عدد كبير من التشكيليين إلى الخارج وإغلاق أغلب الصالات الفنية الخاصة.

أغلب الفنانين الذين استمروا بالإنتاج عرضوا أعمالهم في الخارج سواء في معارض فردية او جماعية رافضين حالة الركود والانتظار فالحياة والفن عند أغلبهم مرتبطان بالعمل والتواصل مع الناس.

يرفض التشكيلي برصوم برصوما مبدأ الندب والتباكي فهو يؤمن بالعمل والاجتهاد في مجال الفن لأن الغد دوما سيكون أفضل والعمل يجب أن يستمر والعمل الفني ليس معزولا عن محيطه وتأثره وقد يكون مباشرا او غير مباشر في ظهوره.

تساؤلات كثيرة تتبادر للذهن عند مشاهدة أي نتاج تشكيلي سوري في هذه الفترة منها ما هو مرتبط بالحالة التي دفعت لإنتاج هذا العمل وبمدى اقترابه او ابتعاده عما يجري من حولنا من أحداث ومنها ما يدور حول قدرة الأعمال على عكس التوجه العام للفن التشكيلي في هذه المرحلة.

التشكيلي نذير اسماعيل يترك للمشاهد والمتابع للفن التشكيلي السوري أن يحدد كيف أثرت الأزمة على الأعمال المنتجة ورغم أنه توقف عن الرسم مع بداية الأزمة عاد شيئا فشيئا لرسم الناس الذين يشبهونه لينقل أحلامهم وآلامهم منطلقا دائما من جدية الفن ومتفائلا بقدرة التشكيل السوري على الصمود لإيمانه
بأبناء جلدته.1

ولأن الإنسان السوري أقوى من الأزمة والظروف الصعبة التي يعيشها تمكن الفنانون السوريون عبر علاقاتهم الخاصة وباجتهادهم من التواجد الكثيف في أغلب دول العالم عبر معارضهم ومشاركاتهم في مختلف الأنشطة والفعاليات التشكيلية العالمية سواء كانوا مقيمين خارج أو داخل سورية مما انعكس إيجابا على الفن التشكيلي السوري.

التشكيلي وليد الآغا يرى أن الحالة التي رافقت الأزمة من مغادرة بعض التشكيليين لخارج سورية أعطت بشكل أو بآخر رصيدا إضافيا للوحة التشكيلية السورية خارجيا بسبب كثافة الإنتاج والمشاركات والمعارض مبينا أن توجه بعض فنانينا نحو الفن المعاصر الخالي من الهوية الثقافية هو حالة طارئة وغالبا سيعود من انتهج هذا الطريق للبحث عن شخصية وهوية فنية مرتبطة بثقافته.

على مستوى الداخل لم تتوقف المعارض والملتقيات الفنية التي تقيمها مديرية الفنون الجميلة في وزارة الثقافة كما استمر معرضا الربيع والخريف السنويان حيث شهدا هذا العام زيادة ملحوظة في عدد المشاركين وعدد الأعمال ليعكسا قدرة التشكيلي السوري على استيعاب الواقع واعادة انتاجه بشكل فني وحضاري.

المركز الوطني للفنون البصرية كان حاضرا عبر عدة ورشات عمل للفنانين الشباب حيث خلق لهم مساحة من الإمكانات للعمل والتجريب واكتساب الخبرات والتقنيات الجديدة في ظل محدودية فرص العرض والعمل لهؤلاء الفنانين الجدد.

يرى الكثير من التشكيليين أن لا خوف على المحترف التشكيلي السوري لأنه ينتمي لمخزون حضاري كبير ويرتبط بفعل فكري وفني فردي قادر على المقاومة والاستمرار وهضم كل الآثار السلبية لينتج حالة فنية صادقة تحمل هوية صاحبها.1

التشكيلية أسماء فيومي تقول إن العمل هو الحقيقة الوحيدة التي يجب ممارستها والحركة التشكيلية السورية ستعود لتأخذ مكانها المتقدم بين المحترفات التشكيلية العربية لأننا نملك أسماء كبيرة في الفن التشكيلي ولأن التشكيليين لديهم ميزة العيش مع لوحتهم والتفاعل معها ضمن عوالم خاصة لتعبر عن أفكارهم وروءاهم وهواجسهم وأحاسيسهم.

ومن هنا يتوقع النقاد التشكيليون أن نتاجا فنيا مهما سيخرج للعالم في الفترة القادمة بعد انتهاء الأزمة كونه لم يتوقف خلالها واكتسب عمقا أكثر فمن رحم الآلام يخرج الإبداع.

يشير التشكيلي باسم دحدوح إلى أن الولادة الحقيقية للمخزون التشكيلي السوري ستكون بعد الخروج الكامل من الأزمة لأن الأمن والأمان أحد أهم أسس الاستقرار للفن في أي بلد لكن رغم قساوة الظروف فإن دحدوح يدعو لإقامة متحف للفن السوري الحديث ليحفظ ويوثق ويؤرشف أعمال الفنانين السوريين المبدعين.

ويجمع أغلب التشكيليين على أن الفنانين الشباب هم أكثر المتضررين من الأزمة كونهم خسروا فرصة تقديم أنفسهم للناس بالشكل الصحيح فاقتصرت نشاطاتهم على معرض الربيع ومشاركات في معارض جماعية مع شبه انعدام لأي فرصة في معارض أو ملتقيات خارجية وهذا يستدعي منهم المزيد من العمل والاجتهاد ليكون عملهم قادرا على الحضور كما يستلزم دعم المؤسسة الثقافية الرسمية بإقامة ملتقيات ومعارض شبابية.

عودة بعض صالات العرض الفنية الخاصة هذا العام لإقامة نشاطات وملتقيات ومعارض حققت إقبالا جماهيريا كبيرا وإن لم تكن نسبة المبيعات عالية يبشر بانتعاش الحركة التشكيلية السورية في الفترة القادمة ويعطي مؤشرا لأهمية الاستمرار بالعمل بالنسبة لكل مكونات المحترف التشكيلي وإبراز الإرادة القوية في الحياة لدى الإنسان السوري وفي الوقت ذاته تأخذ بيد المجتمع نحو القيم الحضارية الراقية والجمال والفن بعيدا عن الدمار والقتل والإرهاب الذي أراده لنا أعداؤنا.

محمد سمير طحان