الانتخابات.. ما لها وما عليها

لابد من الاعتراف بأن التجربة الديمقراطية كجزء لا يتجزأ من الممارسة السياسية في بلداننا مازالت تعاني كثيراً من الصعوبات التي تحتاج معها إلى استمرار المراجعة النقدية، وذلك لأسباب عديدة منها أن الفجوة لم تُردم بعد بين الدولة الحديثة ومتطلباتها العصرية، وبين المجتمع الذي مازال في جزء منه يعيد إنتاج تماسكه من خلال أنماط تقليدية في قسم منها هي ما قبل وطنية.

ومع أن تجربة الانتخابات ليست طارئة على شعبنا ومؤسساتنا الوطنية، فقد بدت مؤخراً خلال التطبيق وكأنها لم تنضج بعد، وهي بحاجة إلى استئناف القول فيها، والمراجعة أيضاً في سبيل تحقيق المنشود منها.

في هذا السياق مضى الحديث عن المؤتمرات الانتخابية لمؤسسات حزب البعث: (فرقة- شعبة- فرع)، وكان هناك عثرات عديدة، وأخطاء صحيح تم تصويبها بالشجاعة على الاعتراف بالخطأ، وبالقدرة على معالجته، لكن هناك معلومات تفيد بأن الأسس التي تم بموجبها انتخاب تلك المؤسسات قد تكون مشابهة للأسس التي سيتم بموجبها انتخاب ممثلي حزب البعث إلى مجلس الشعب، ما يجدد الخشية من أن تفرز انتخابات ممثّلي البعث إلى مجلس الشعب نتائج مشابهة لانتخابهم قيادات مؤسساتهم تلك. وهذا ما يجب عدم الوقوع فيه.

وعليه يجب التنبه إلى هذا قبل الوصول إلى أي انتخابات تالية في أي مجال من مجالات الحياة العامة من خلال التواصل الفاعل والمستمر، والحوار البنّاء، واتخاذ الخطوات اللازمة لأن تكون قواعد الحزب على درجة من الوعي، والفاعلية، والالتزام بالقيمة العالية لقرار الانتخابات في كافة الاستحقاقات الديمقراطية الوطنية.

فعلى المؤسسات القيادية في الحزب أن تولي من خلال الحوار والمتابعة الاهتمام الكافي بروائز رأي هذه القواعد التي هي ستقرّر بنفسها من سيمثّلها في هذه الظروف الصعبة التي يعيشها المجتمع والدولة والأمة، بل العالم أجمع.

إذن، يجب التعويل على دور الكوادر، والأخذ بها لتكون قادرة على الاختيار الصحيح، والعمل معها للابتعاد عن المصالح الشخصية، والأهواء والميول الذاتية، وتصويب الخيار والقرار والانتخاب نحو المصلحة الوطنية العليا، فهذا أساس نجاح العملية الانتخابية ولاسيما من خلال التركيز على دور الشباب والمرأة في الاندماج السياسي، والتجديد الاجتماعي، والتلاحم الوطني، وهو دور نحن أحوج ما نكون إليه لتعزيز الوحدة الوطنية.
فالانتخابات لها ما لها من مزايا وحسنات، وبالمقابل عليها ما عليها من نقد وشكوك. فهناك من يرى أنها ترسّخ الوحدة الوطنية بين أفراد الشعب، كما تعزّز المؤسساتية وتعلي من شأنها وتحصّنها، وهناك بالمقابل من يرى أن معيار عدد الأصوات هو معيار كمي على حساب النوع، إضافة إلى غير ذلك من حيث اللهاث وراء براغماتية الفوز، فتتقدم فيها الذرائعية والنفعية والشللية على حساب أشكال راقية من الوعي والمعرفة والالتزام وكثير مما يتصل بهذا من قيم.

مع ذلك كله، فالانتخابات ضرورة كانت، أو ثقافة، أو تجربة هي أفضل من التعيين، وهذا المنطق لا عودة عنه، فقد قرّر البعثيون المضي فيه إلى النهاية، والانتقال به من خلال حضورهم الفاعل في المجتمع والدولة- إلى خارج حدود الفعاليات التنظيمية الداخلية، بحيث يمكن أن ينسحب على علاقة الحزب بمختلف الاستحقاقات الديمقراطية الوطنية خلال المراحل القادمة، وربما في المقدمة منها انتخاب أعضاء مجلس الشعب.

ولهذا سوف يتعين على البعثيين أن يثبتوا قدرتهم على مواجهة أنفسهم مرة أخرى، وتجاوز ما قد يمكن أن يقعوا- أو وقعوا فيه من أخطاء، من خلال النظر إلى ذواتهم ككوادر، وإلى مؤسساتهم كبعثيين حقيقيين، وكوطنيين سوريين وعروبيين أيضاً.
في هذه الطريق المنشودة إلى الديمقراطية الشعبية، وإلى الوحدة الوطنية سوف يتحمّل البعثيون- كما هو ديدنهم، وكما هو منتظر منهم دائماً- عبء الريادة، ونكران الذات، وشق الطريق نحو الكفاءة والقدرة، والصمود والبناء، وفي الوقت نفسه المنافسة لا على عدد الأصوات المجردة. بل على خدمة الشعب والوطن.
ويبدو أن البناء الديمقراطي الوطني الشامخ، ولاسيما في الانتخابات القادمة لمجلس الشعب، الذي يطمح إليه، ومن خلاله، السوريون لتجاوز معتركهم المصيري الصعب سيُنجز ويتحقق، بناء على الأمل والثقة والطمأنينة المعهودة بحكمة القائد الأسد وشجاعته.

بقلم: د. عبد اللطيف عمران