الشريط الإخباري

ما الذي يحدث؟

هل هناك محلل أو كاتب سياسي توقع أن يقدم ترامب على مثل هذا العمل؟

أتحدث هنا عن بعض المحللين السياسيين المحترمين، والكتاب من أصحاب الفكر والخبرة، ولا أقصد مدعي التحليل والكتابة السياسية، الذين يتنافسون بين بعضهم بعضاً بالسطحية وقلة الثقافة.

كنا نسمع خلال الأشهر الماضية من بعض المحللين والكتاب السياسيين، تكهنات وقراءات عديدة، فتارة كانوا يقولون إن واشنطن تنسحب تدريجياً من الشرق الأوسط إلى شرق آسيا، وتارة أخرى يقولون إن إدارة ترامب سلمت موسكو بعض ملفات المنطقة لتغرق في مشكلاتها وتستنزفها أكثر.. وغير ذلك.

نادراً ما سمعنا توقعاً من أحدهم يقول بإمكانية قيام إدارة ترامب بمقامرة تدخل المنطقة والعالم في المجهول، كالذي حدث مؤخراً.

ربما لأن كل التحليلات والقراءات السياسية كانت تستند في معطياتها إلى ناحيتين أساسيتين، الأولى هي سياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة، والتي كانت تتحاشى خرق أي «خطوط حمر» في علاقاتها مع تلك الدول.. وحتى إن فعلت، وحدث ذلك أكثر من مرّة، فإنها كانت تتنصل من المسؤولية وتنفي أي علاقة لها.

أما الناحية الثانية فهي في المقاربة الموضوعية والمنطقية للأحداث والتطورات، وتالياً فكل ما كان يحدث خلال الفترة الماضية، يشير منطقياً إلى أن الجميع كان يتحاشى الدخول في مواجهة مباشرة ومفتوحة.

إلا أن إدارة ترامب قدمت العديد من الأمثلة على أنها مختلفة عن سابقاتها من الإدارات الأمريكية.. بتهورها، بعدوانيتها، بسوء قراءتها للأمور..

فهذه الإدارة هي التي نقلت سفارتها من تل أبيب إلى القدس المحتلة.

وهي أيضاً التي «اعترفت» باحتلال «إسرائيل» للجولان السوري.

وهذه الإدارة هي التي اتخذت قراراً بالعدوان مباشرة على سورية مرتين، وبإعلانها صراحة سرقتها للنفط السوري.

وهي التي رفضت الاستمرار بتنفيذ الاتفاق النووي مع إيران، وانسحبت من معاهدة عدم نشر الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى.

وهي التي دبّرت علانية محاولة الانقلاب في فنزويلا، وساعدت انقلاب بوليفيا.. وتحاول محاصرة روسيا.

كل ذلك كان خطوات زادت من تدهور حالة الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، وجميع الإدارات الأمريكية كانت تتحاشى اتخاذ قرارات علانية بشأن هذه الملفات، إدراكاً منها لخطورة نتائجها.. باستثناء إدارة ترامب التي غامرت في كل ملف دولي، وبرهنت أنها يمكنها أن تتخذ أي قرار أحمق، وتقدم على أي فعل مدمّر.

طبعاً كل تلك الإدارات تعبر في مواقفها وسياساتها وقراراتها، عن إرادة «الدولة العميقة» الحاكمة في الولايات المتحدة، والتي يبدو أن حساباتها اختلفت اليوم عن السابق.. فما كان يصلح في زمن إدارة جورج بوش أو باراك أوباما، لم يعد كذلك في زمن إدارة ترامب..

ليس لأن ترامب أكثر ذكاء وخبرة من غيره، بل لأن حسابات «الدولة العميقة» باتت تتطلب خطوات كهذه.. ثم تكون التضحية بترامب، بعزله أو بهزيمته بلعبة الانتخابات.

في ضوء ذلك.. ماذا كنّا ننتظر من واشنطن في زمن إدارة ترامب المتهورة؟

هل كنا ننتظر أن تتقبل برضا هزيمتها في المنطقة وتنسحب منها بهدوء؟ أم أن تتحول إلى دولة راعية للسلام في المنطقة؟ أم أن تستبدل شحنات السلاح المقدمة لـ«داعش» وغيره بالمساعدات الاقتصادية والتنموية لسكان المنطقة؟

هل سمعتم بأفعى يؤمن جانبها.. إلا إذا قطع رأسها.

بقلم : زياد غصن