الشريط الإخباري

دفتر مريم

في أحد مقرات الجيش في مدينة حلب، وسط المكان المزدحم باللون العسكري الخاكي وأجهزة الاتصالات السوداء والخرائط وغير ذلك من الأدوات المرتبطة بالعمل العسكري، وقع نظري على دفتر مليء بالألوان مكتوب على غلافه اسم التلميذ: مريم، الصف: الخامس، المادة: رياضيات.

تساءلت بيني وبين نفسي مستغربة ما الذي أتى بهذا الدفتر إلى هذا المكان؟

واستأذنت الضابط المسؤول بتصفح الدفتر وأنا أفكر بمريم، هل خطر في بالها يوما أن يتحول دفترها المدرسي الذي اشترته وجلدته واعتنت بكل تفاصيله إلى شاهد على الحرب على مدينتها حلب؟!

الرسوم الكرتونية على غلاف دفتر مريم تعكس شغفها الطفولي.. وما بين الغلافين خطت بيديها الصغيرتين واجباتها المدرسية لمادة الرياضيات على الصفحات العشر الأولى من دفترها بشكل مرتب مستخدمة الأزرق والأخضر والزهري لتخرج هذه الصفحات أنيقة زاهية مليئة بألوان الحياة.

توقف قلم مريم عند الصفحة العاشرة لتليها صفحة بيضاء تدل على انقطاع الصغيرة عن مدرستها بسبب الحرب. وبالرغم من عدم وجود تاريخ على الدفتر لكن يمكن الجزم بأنه يعود إلى عام 2012 عندما سيطرت المجموعات الإرهابية على حيها سيف الدولة.. فبعد الصفحة الفارغة صفحات كثيرة موقعة باسم المجموعات الإرهابية التي سيطرت على الحي آنذاك واتخذت فيما يبدو من منزل مريم مقراً لها ومن دفترها سجلاً لعملياتها الإجرامية البعيدة كل البعد عن عالم مريم البريء.

الصفحة الأولى للمجموعات الإرهابية كتب عليها برنامج ما سموه /الرباط على الجبهة/ وعليه أسماء الإرهابيين والتنظيمات التي ينتمون لها في حين حملت الصفحة التالية مخططا للهجوم على أحد الأحياء المجاورة بمشاركة خمس مجموعات إرهابية.. “المغربية” و”المصرية” و”التركية” و”المهاجرين” و”الأنصار”.

بقية صفحات دفتر مريم حملت جداول إجازات الإرهابيين وبرامج الحراسة وأنواع الأسلحة التي استخدموها في اعتداءاتهم على الأحياء الآمنة من قناصات وبنادق وعربات الدوشكا والمدافع والهاون.

لم يطل بقاء الإرهابيين على دفتر مريم فبعد تحرير الجيش تلك المنطقة انتقل دفترها إلى عهدة عناصر الجيش العربي السوري ليكون مصيره أفضل من مصير دفاتر وحقائب مدرسية وألعاب أطفال اغتال الإرهاب طفولتهم في الكثير من المناطق التي سيطر عليها.

مصير مريم غير معروف.. فربما حالفها الحظ كدفترها بالنجاة والهروب إلى منطقة أكثر أمانا فمدينتها عانت من ويلات الحرب مع سيطرة المجموعات الإرهابية على أحيائها الشرقية عام 2012 ولا سيما المدارس والمشافي خاصة بعد فرض الإرهابيين حصارا كاملا على المدينة مع قطع آخر طريق إمداد بري بعد سيطرتهم على بلدة خناصر في آب عام 2013 دام إلى الثامن من تشرين الأول من العام نفسه عندما تمكن الجيش من فتح طريق إمداد آخر لتأمين المواد الغذائية والوقود لأهل المدينة.

حرر الجيش العربي السوري مدينة حلب في أواخر عام 2016 بعد معارك طاحنة مع الإرهابيين المدعومين من أميركا والنظام التركي لكن المدينة ما تزال تتعرض لاعتداءات بصواريخ المجموعات الإرهابية المنتشرة في الأطراف الجنوبية الغربية للمحافظة.

زائر المدينة اليوم يلمس عودة الحياة الى معظم أحيائها رغم الدمار الذي حل بها، خصوصاً مع العودة التدريجية لأسواق المدينة القديمة وترحيل الأنقاض منها وإعادة تأهيلها وتزويدها بالاحتياجات اللازمة من كهرباء وماء وطرق وغير ذلك.

مدينة حلب كدفتر مريم مرت عليه ظروف الحرب وويلاتها لكن على الصفحة الأخيرة من الدفتر خطت مريم بذات الألوان والأناقة برنامج دراستها الأسبوعي وحلب اليوم طوت صفحات الإرهاب وتخط صفحات البناء بسواعد أبنائها وعقولهم.

بقلم… يارا إسماعيل

انظر ايضاً

استشهاد لبنانيين اثنين جراء غارة لطيران العدو الإسرائيلي على سيارة بمدينة صور

بيروت-سانا استشهد مواطنان لبنانيان مساء اليوم إثر اعتداء إسرائيلي جديد استهدف سيارة على طريق عام …