الشريط الإخباري

“بازارات” ترامب.. والارتدادات على النفس

قبل الحديث عن حيثيات قرار الرئيس الأمريكي الجديد بالإبقاء على القوات في سورية، ينبغي الإجابة أولاً على سؤال اليوم: هل قرّر ترامب إبقاء قواته في سورية بسبب النفط، أم في سبيل النفط؟ بمعنى: هل أسال النفط السوري بكمياته غير الاستثمارية لعاب التاجر “رجل الأعمال/ الرئيس” للربح؟ أم إن وجود آبار النفط بالقرب من قواته وقوات “حلفائه” أوجد أخيراً الحل لمعضلة ترامب المتمثّلة بالرغبة في الانسحاب مع عدم الاستعداد (وعدم القدرة أيضاً!!) لتحمّل تكلفة اعتراض كل من الخارجية والبنتاغون والاستخبارات، وحتى بعض نواب الحزب الجمهوري، وذلك من خلال العودة إلى المعادلة الذهبية الترامبية القائمة على أن أي مسألة لابد ستجد حلاً لها ببساطة من خلال تحويلها إلى خدمة قابلة للبيع؟

الحقيقة المفجعة أن الرئيس الأمريكي “الشعبوي” يزج الجنود الأمريكيين أنفسهم، هذه المرة، في أقذر وأوسخ حساباته وأشدّها استهتاراً وجشعاً، وأن المؤسسة العسكرية الأمريكية تتواطأ معه، عن قصد أو دون قصد، على حساب أرواح جنودها، الذين لا قيمة لهم، بعد اليوم، إلا من خلال انتظامهم في صفوف التسويات الداخلية بين مختلف أجنحة الإدارة المتصارعة، حتى ولو كان ذلك على حساب الشوق لـ “العودة إلى الوطن”، أو على حساب العائلات التي تنتظر “عودة الأولاد” من الحرب، أو على حساب دمائهم وأرواحهم في شرق أوسط “بعيد وغامض ومجهول”.. حروبه لا تهم الناخب الأمريكي بشيء.

بـ “بساطة” هي أقرب في حقيقتها إلى الاستخفاف الأحمق بأرواح الجنود، وجد الرئيس الأمريكي ضالته أخيراً عبر الإبقاء على جنود كانوا يستعدون للانسحاب النهائي.. هو فعلاً انقلاب يحتاج إلى الكثير من التأمل لفك طلاسمه – ولن نقول مسبباته وخلفياته وأبعاده وتداعياته – لأننا هنا أمام “أسلوب” على درجة عالية من التسطح في التفكير!.. أسلوب لا يمّت بصلة للاستراتيجيات المعتمدة لدى الدول، ولا يستحق أبداً صفة النهج، وهو “تقلّب” وليس انقلاباً في التفكير، محكوم بالمزاجية المفرطة لرئيس “يغرّد”.. لا يقرأ، ولا يعتبر نفسه معنياً بالتفكير العميق أو المسؤول، ولقد تمكّن أخيراً من حل معضلة الانسحاب والبقاء على النحو التالي: نبقى طالما هناك من يدفع، وطالما هناك مصدر تمويل!.. تماماً، وإن كان على نحو مصغّر، كما حدّد قبل عام شروط البقاء ضمن التحالف الأطلسي، وأيضاً شروط البقاء في الخليج، حيث بات الأمن سلعة، أو بالأحرى “خدمة” إن استعرنا القاموس الترامبي الذهبي الذي يحيلنا مباشرة إلى لغة الفنادق والكازينوهات ودور القمار واللّهو.

هي فعلاً مقامرة في كل شيء، فما الذي سيستند إليه ترامب إن تسلّمت الحكومة السورية آبار النفط بموجب التفاهمات والاتفاقات التي تمّت؟ وبموجب أي ترخيص تسمح إدارة ترامب لنفسها وضع اليد على الموارد النفطية لدولة ذات سيادة تعترف – هي – بوحدة وسلامة أراضيها الإقليمية، وماذا لو تعرّضت خزانات أو أنابيب نقل النفط للقصف أو التفجير أو لهجمات الطائرات المسيّرة، كما حدث مع منشأة أرامكو في السعودية، وبحيث تمّ تجفيف المورد؟ أو تمّت مهاجمة الصهاريج الناقلة أو سرقتها؟ وماذا عن طرق الإمدادات، وهل ستكون آمنة في بيئة خطرة ومعادية وتعج بالمتصارعين، ولا منفذ لها إلا عبر الشمال العراقي، وهو ما يمكن أن يوسّع دائرة التورّط والانخراط بحيث تأخذ طابعاً إقليمياً؟

ترامب لم يتراجع، ولم يغيّر موقفه.. الأقرب إلى الحقيقة القول إنه “ارتد” مرّة جديدة على نفسه، كما شاء له العرض والطلب، وبموجب متطلبات “البازار” السياسي والانتخابي والخدماتي “المتقلبة”، صعوداً وهبوطاً، مع كل موسم، ومع كل صرعة، ومع كل مفاجأة، ولربما مع كل “كارثة” طبيعية أم “بشرية” في منطقة تختنق بالمفاجآت والكوارث كل يوم!

ولكن ترامب قد يحدث “القلبة” مرة أخرى، ويقرر الانسحاب في أي وقت.. الأمر مشروط بقانون العرض والطلب.. وبقدرة الآخرين في كل لحظة على “رفع التكلفة”، و”مضاعفة السعر”!!.

بقلم: بسام هاشم