دمشق-سانا
بعد عقود من التراجع والتهميش الذي أصاب مهنة الترجمة نتيجة غياب الدعم المؤسسي وضعف الاهتمام الأكاديمي، يسعى قطاع الترجمة في سوريا اليوم إلى استعادة دوره الريادي بوصفه ركيزةً من ركائز النهوض الثقافي والانفتاح الحضاري.
من التهميش إلى المشاركة الفاعلة

يرى الدكتور عبد النبي اصطيف، مؤسس الهيئة العامة السورية للكتاب ومديرها العام الأسبق، في تصريح لـ سانا أن الترجمة في مراحل سابقة عانت من غياب الرؤية والتخطيط، ومن إقصاء الكثير من الكفاءات التي كان يمكن أن تسهم في بناء نهضة معرفية حقيقية.
وأضاف: اليوم نحن أمام فرصة لإطلاق مشروع وطني للترجمة يعيد وصل ما انقطع بين القارئ السوري والإنتاج الفكري العالمي، والترجمة برأيه تحتاج إلى بيئة ثقافية منفتحة، ومؤسسات تستثمر في الكفاءات وتقدّر المترجمين بوصفهم شركاء في بناء الوعي الوطني.
الانفتاح على الذكاء الاصطناعي

بعد سقوط النظام البائد، ورفع الكثير من العقوبات على سوريا، وجد المترجم السوري أنه أمام سيل من التطبيقات، التي تنافسه في تخصصه، وحول ذلك يقول الدكتور عدنان عزوز، عميد كلية الآداب بجامعة قاسيون الخاصة ورئيس قسم اللغة الإنجليزية: “نحن لا نرفض التقنية، بل نعيد تعريفها، لأن المطلوب اليوم أن يكون المترجم خبيراً في اللغة والتقنية معاً، لا تابعاً لأيٍّ منهما”.
ويضيف عزوز: إن التقنيات الحديثة لم تغير شكل العمل اللغوي فحسب، بل هي في الوقت ذاته تهدد بتقليص دور المترجم البشري إن لم يُحسن استخدامها، حيث لاحظ خلال تجربته مع طلابه اعتماداً مفرطاً على الترجمة الآلية، ما أثر سلباً في قدراتهم اللغوية، ومن أجل ذلك هو يدعو لتحويل الذكاء الاصطناعي إلى أداة لتصحيح الأخطاء وتعزيز مهارة التفكير النقدي، أي باختصار جعله شريكاً إيجابياً في عملية التعلم.
الترجمة الآلية أمام تحدي الإبداع

تقف عثرة أمام شيوع الترجمة الآلية التي يتيحها الذكاء الاصطناعي الكتب الأدبية، من شعر وقصة ورواية، ووجهة النظر هذه تؤكدها الكاتبة والمترجمة آلاء أبو زرار، التي بينت أن الترجمة الأدبية فعل وجداني لا يمكن استبداله بالذكاء الاصطناعي مهما بلغت قدراته، والآلة تستطيع ترجمة الكلمات، لكنها تعجز برأيها عن نقل الدهشة أو الحنين أو النغمة الداخلية للنص.
أبو زرار التي وضعت دراسة حول هذا الخصوص، وجدت أن المترجم الحقيقي هو من يمنح النص حياة ثانية في لغة أخرى، لا من يكتفي بإعادة صياغته حرفياً، كما تفعل الآلة.
المترجم السوري ودوره الجديد

بعد زوال النظام البائد ودخول عصر الحريات والانفتاح على العالم، ترى المترجمة هلا دقوري أن المترجم السوري يعيش مرحلة استعادة الثقة بدوره الثقافي بعد سنوات من التحديات، والمطلوب منه اليوم أن يعيد تموضعه كفاعل ثقافي مستقل يعبّر عن هوية سوريا الجديدة المنفتحة والمتجددة.
وأضافت دقوري: إن تعزيز دور المؤسسات الداعمة للترجمة وتوسيع برامج التدريب هو الطريق الأمثل لبناء جيل جديد من المترجمين القادرين على نقل الإبداع السوري إلى اللغات الحية.
مستقبل الترجمة في سوريا لا يعتمد على مدى الاستثمار في الإنسان فقط، بل يحتاج أيضاً إلى تأهيل المترجمين الشباب ومواكبة التطور التقني دون التفريط بالجوهر الإبداعي للعمل، فالترجمة هي طريقنا نحو مواكبة العالم المتحضر.








