دمشقسانا
على مر القرون، قدّم العلماء العرب والمسلمون إرثاً عظيماً في مجال تحقيق النصوص والمخطوطات، حيث جمعوا النسخ المختلفة، وثبتوا النصوص بعناية فائقة، ووضعوا أسساً علمية منهجية لا تزال مرجعاً للباحثين المعاصرين.

في هذا الصدد، أكد الباحث الدكتور ضياء الدين القالش في محاضرته التي أقامها مجمع اللغة العربية في دمشق اليوم، بعنوان صور من جهود القدماء في تحقيق النصوص أن العلماء العرب والمسلمين الأوائل، أسسوا منهجاً علمياً دقيقاً في جمع النسخ الخطية، والتثبت من صحة النصوص، وهو ما يعكس إلمامهم العميق وفهمهم الواسع للعربية وتاريخها الأدبي.
توثيق النصوص والترجيح بين النسخ
وفي حديثه عن جهود العلماء في تحقيق النصوص، أشار القالش إلى أعمال كبار العلماء الذين قاموا بجمع النسخ المختلفة وتوثيقها بعناية، مثل شرح القطب الشيرازي لكتاب مفتاح العلوم للسكاكي، الذي عمد فيه إلى مقارنة النسخ الخطية المتوافرة، ما يعكس دقة مناهج التحقيق، معتبراً أن خبرات الأوائل في ضبط النصوص تشكل الأساس الذي تعتمد عليه اليوم مناهج التحقيق العلمية المعاصرة.
وأضاف القالش: إن العلماء العرب ركزوا على تحليل الفروق والترجيح بين النسخ المختلفة للنصوص، من خلال توجيه التصحيحات اللازمة لضمان الدقة، وضرب مثالين، الأول: أعمال الجاربردي في حاشيته على “الكشاف”، الذي اهتم بتوجيه الفروق بين النسخ وتوضيح الأخطاء النحوية الناتجة عن النسخ اليدوي، والثاني: أعمال الشيرازي الذي تصدى لتصحيحات دقيقة كانت قد نقلت بالخطأ.
ملاحظات المحققين على النصوص وأهمية الفهارس
عمل المحققين تعدى وفقاً للقالش تقديم ملاحظات نقدية حول أسلوب المؤلف وتركيباته البلاغية، وضرب على ذلك مثلاً، ما تضمنه شرح السعد المسمى مختصر المعاني في علوم البلاغة، من نقد بعض المفاهيم البلاغية، مثل المجاز العقلي والمجاز المركب، حيث اتسمت تعليقاته بالحرص على تصحيح المفاهيم وتوضيح استخداماتها.
كما لفت القالش إلى قضية التعليق على الشواهد البلاغية والشعرية من قبل المحققين، مثل التفتازاني، الذي التزم بتوثيق أصول الأبيات الشعرية وتصحيح نسبتها، وتتبع الاختلافات بين النسخ المختلفة وتوضيح الأخطاء في نسبتها، مشدداً على أهمية الفهارس في عملية التحقيق، باعتبارها أداة أساسية تسهّل على الباحثين الوصول إلى المعلومات والمراجع.
أهمية مقدمة التحقيق والترجمة
حظيت المقدمة بحسب القالش عند المحققين القدماء بأهمية خاصة، وكانوا يبدؤون عادة بترجمة المؤلف والتعريف بسياق عمله، مثل الشهاب الخفاجي الذي قدم مقدمة موسعة في حاشيته على تفسير البيضاوي، ليعرف القارئ بأسلوب المؤلف وأهدافه.
وختم القالش محاضرته بالتأكيد على أن جهود العلماء العرب والمسلمين الأوائل في تحقيق النصوص وضبطها وتصحيحها وتحليلها ونقدها تمثل حجر الزاوية لمنهج التحقيق الحديث، وأساساً علمياً يعتمد عليه العلماء المعاصرون.
يشار إلى أن الدكتور ضياء الدين القالش، من مواليد عربين بريف دمشق عام 1980م، حاصل على دكتوراه في اللغة العربية من جامعة دمشق، يشغل أستاذاً مساعداً وعضو هيئة تدريس في جامعات سورية وتركية، له عدة مؤلفات محققة مثل تحقيق كتاب الإيضاح لتلخيص المفتاح للقزويني، إضافة إلى أبحاث علمية محكمة ومشاركات في مؤتمرات دولية.