دمشق-سانا
يأتي الاحتفاء باليوم العالمي للتراث الثقافي اللامادي في 17 تشرين الأول، في وقت تنهض فيه سوريا لتستعيد نبضها الثقافي وتجدّد صلتها بجذورها الحضارية، ولتؤكد أن الذاكرة ليست مجرد استرجاعٍ للماضي، بل هي فعلٌ حيّ يُشكّل الحاضر ويؤسّس للمستقبل.
هذا اليوم الذي أقرّته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) عام 2023 بمناسبة مرور عشرين عاماً على اعتماد اتفاقية عام 2003 لصون التراث الثقافي اللامادي، يُجسّد رؤية عالمية تُعلي من شأن “التراث الحي” بوصفه أحد أعمدة الهوية الإنسانية، ومرآةً تعكس تنوّع الثقافات وتعدّد روافدها، إنه احتفاءٌ بالقصص، والعادات، والموسيقى، والحرف، والطقوس التي تشكّل نسيج المجتمعات وتمنحها فرادتها واستمراريتها.
وقد حفظ أبناء سوريا تراثها بالممارسة لا بالحنين، ليبدو التراث اللامادي فعلَ استمرارٍ قبل أن يكون حفظًا للماضي، فالحرفي الذي يلوّن الخشب، والموسيقي الذي يعيد اللحن إلى الحياة، والمرأة التي تنسج السعف في بيتها الريفي، يروون جميعهم القصة ذاتها بطرق مختلفة: “الجمال في سوريا لا يُورّث بالكلمات، بل يُصنع بالأيدي”.
وسجّلت سوريا حتى اليوم 7 عناصر في قوائم التراث الثقافي اللامادي لدى اليونسكو، وهي: القدود الحلبية، وصناعة صابون الغار الحلبي، والوردة الدمشقية، ونفخ الزجاج يدوياً، وآلة العود وصناعتها، ومسرح الظل، والصّقارة، وهي ممارسات تشكّل لوحةً متكاملة من المهارة والإبداع الحي الممتد في عموم الجغرافيا السورية.
وبحسب مديرة التراث اللامادي في وزارة الثقافة رولا عقيلي فإن سوريا قدّمت هذا العام ملفين جديدين للترشيح الدولي: الأول الخيول العربية الأصيلة بالشراكة مع البحرين، والثاني حول السعفيات والألياف النباتية بالتعاون مع الإمارات العربية المتحدة، مشيرةً إلى أن العمل جارٍ على إعداد ملفات جديدة تشمل الألعاب الذهنية الشعبية بالتعاون مع الجزائر، وصناعة الفخار التقليدي بالشراكة مع الأردن، وأقنية الري التقليدية بالتعاون مع سلطنة عُمان.
وترى عقيلي أن التراث اللامادي هو ذاكرة الأمة ومرآتها، والحكاية التي ترويها الأجيال كي تحفظ ملامحها في زحمة عالم اليوم، لتجديد العهد بأن التراث في سوريا سيظل حياً ما دامت الذاكرة تنبض.
وكانت اليونسكو، نظراً لأهمية التراث الثقافي اللامادي السوري، وما فيه ممارسات ثقافية وعروض حية وغيرها، نبهت مرات عدة إلى ما يطال هذا التراث من أضرار جسيمة بسبب ظواهر التشتت الاجتماعي، وعوامل النزوح والهجرة، ولا سيما في المدن القديمة، فأطلقت مشروع الصون العاجل وأسست مرصداً لرصد وتقييم حالة هذا التراث.
