دمشق-سانا
بذاكرة وطنية تمتد لأكثر من قرن، يعود النادي العربي في دمشق اليوم إلى واجهة المشهد الثقافي والاجتماعي، بعد أن شكّل منذ تأسيسه عام 1919 منارة فكرية ومسرحاً لأحداث مفصلية في التاريخ السوري.
ومع انطلاقته الراهنة، يستعيد النادي دوره كجسر بين الماضي والحاضر، حاملاً رسالته الأصيلة في إحياء الفكر وتعزيز الحوار، والمساهمة ببناء جيلٍ جديد يستلهم تضحيات الأجداد ويصوغ رؤى المستقبل.
وللحديث عن النادي العربي في دمشق أوضح مديره وسيم الحامض في تصريح لـ سانا، أن النادي يشهد حالياً انطلاقة جديدة بعد سنوات من التراجع في فترة النظام البائد، مبيناً أن مجلس الإدارة برئاسة سمير الحاجة يعمل على إعادة تفعيل دور النادي اجتماعياً وثقافياً، وإحياء لجان الأنشطة الأدبية والفكرية والخيرية والاجتماعية ليبقى النادي مساحة حيّة تُلهم الشباب وتدعم طاقاتهم.
تأسيس النادي العربي
تأسس النادي العربي بدمشق عام 1919 مع إعلان الحكومة العربية بقيادة الأمير فيصل، وكان أول مؤسسة سوريّة-عربية تدعو للوحدة العربيّة، واحتضن مقره في الـ 7 من حزيران 1919 انعقاد المؤتمر السوري العام برئاسة الملك فيصل، بمشاركة ممثلين عن سوريا الطبيعيّة، ما جعله مركزاً فكرياً وسياسياً بارزاً.
لكن بعد معركة ميسلون في تموز 1920 وسقوط الحكم العربي، أُغلق النادي عقب دخول القوات الفرنسيّة دمشق، وتعرّض أعضاؤه للملاحقة والاعتقال، وصدرت ضد بعضهم أحكامٌ بالإعدام ومصادرة أملاك أمثال رياض الصلح، خير الدين الزركلي، عبد القادر سكر، عادل أرسلان، وتوفيق اليازجي.
العودة بعد الإغلاق
أُعيد تأسيس النادي عام 1937 بمبادرة الدكتور سعيد فتاح الإمام، وبمشاركة منير الريس وجميل القربي وغيرهم، وبلغ عدد أعضائه حينها 108، بينهم 26 امرأة، ليكون من أوائل المؤسسات السوريّة التي سمحت بمشاركة النساء في الحياة العامة.
وضع النادي منذ بداياته أهدافاً واضحة، أبرزها: إحياء التاريخ العربي وتعزيز الوعي القومي، توطيد الروابط بين البلدان العربيّة، ونشر التعليم، ودعم الصناعات الوطنيّة والأنشطة الثقافية والرياضية.
مرحلة الاستقلال وما بعدها
مع جلاء القوات الفرنسيّة عام 1946، عاد النادي العربي لممارسة نشاطه كمنبر ثقافي وقومي، واستقطب أسماء عربية لامعة، منهم: خير الدين الزركلي، أحمد الشقيري، أكرم زعيتر، علال الفاسي، إسماعيل الأزهري، وأمينة بنت الشاطئ.
إنجازات بارزة
لعب النادي دوراً فاعلاً في دعم الثورة الجزائريّة، كما أطلق يوم فلسطين من كل عام لجمع التبرعات، وخلّد معارك الثورة السوريّة من خلال نصب تذكارية، بينها نصب معركة القلمون، وضريح الشهيد أحمد مريود، إلى جانب دعمه لنضال الشعب المصري خلال العدوان الثلاثي.
وعلى مدى أكثر من قرن، لم يكن النادي العربي في دمشق مجرّد صرح اجتماعي، بل رمز للوحدة ومنبر للفكر ومناهضة الاستعمار وكل أشكال الاحتلال، ورغم ما تعرّض له من إغلاقاتٍ ومضايقات، ظلّ حاضراً في الذاكرة الوطنية كسجل نضالي وثقافي بارز.
الحاضر والمستقبل
يؤكد وسيم الحامض أنّ النادي العربي يعمل ليكون منصّة معاصرة تجمع بين أصالة التاريخ وتطلعات المستقبل، ليعود فضاءً جامعاً للمثقفين والمهتمين بالشأن العام، ومكاناً للحوار البنّاء، ومركزاً يربط الماضي بالحاضر ويُمهّد لجيل جديد قادرٍ على حمل الرسالة الوطنية والثقافية وتبني جسور المستقبل بثقة وتجدد.