الشريط الإخباري

هل تندلع “حرب بولتون”..؟!!

ربما هي اللحظة الأخطر في السباق المستعر الدائر هذه الأيام بين “حزب الحرب” وحزب “اللاحرب”، إذا جازت تسميته بذلك، ففي مقابل الكلام المنطقي والواقعي الذي يقدّمه هذا الأخير حول مخاطر الحرب القصوى وضرورة الاحتكام إلى أسس العلاقات الدولية التي حطّمها “ترامب”، كما قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، فإن “حزب الحرب” في “واشنطن” و”تل أبيب” يوفّر لها، كل يوم، “حطبها” وذرائع اندلاعها المتعدّدة، بدءاً من الكلام، وهو “أولها” على قول العرب، وصولاً إلى عود الثقاب الذي اشتعل في “الفجيرة”.

فمن ناحية الكلام لم يترك هذا الحزب جملة “مفيدة” في هذا المجال إلا قالها، بدءاً من التهديدات البلاغية، وكان منها تهديد “جون هانتسمان”، السفير الأمريكي في موسكو، بـ”دبلوماسية” حاملات الطائرات “التي تزن 200 ألف طن”، وتجوب البحر المتوسط ومياه الخليج، وصولاً إلى “معلومات” استخباراتية عن خطر إيراني داهم، فبركتها “إسرائيل” وروّجتها “سي. إن. إن”، وبالطبع  تبنّاها “جون بولتون” حرفياً – اللافت أن صحيفة “هآرتس” الصهيونية كانت قد “تنبأت” بـ”هجمات استفزازية” قبل يوم واحد من حدوثها – ثم توّجت ذلك كله “أصابع خبيثة” لتوفّر لهذه “الطبخة” عود الثقاب من خليج عُمان، ليعود الدور ثانية للكلام، وهذه المرة كان عربياً خليجياً، يضيف “التوابل”، ويؤجج النيران عبر تذكير واشنطن بوعودها الحربية، وبذلك تكتمل دائرة جهنم التي ستلسع نيرانها الجميع، بمن فيهم “الطباخون” أنفسهم.

وبالمناسبة، وعلى مبدأ خذ أسرارهم من صغارهم، لا بد من الوقوف في هذا السياق عند مؤشرات عدة “ارتكبها” بعض الأتباع في المنطقة الآملين خيراً من الحرب، منها مثلاً استيقاظ بعض الخلايا النائمة في لبنان من بقايا فريق “العزيز فيلتمان” للهجوم على المقاومة وسلاحها وإنكار لبنانية مزارع شبعا، وهو إنكار له أيضاً سياق آخر يندرج في دورهم الذيلي في “صفقة القرن” والتنازل عن الأراضي، ومنها أيضاً إعلان ميليشيات “قسد” عن فرض نظام الكفيل على السوريين في أرضهم..!!، علّ الحرب القادمة، كما وعدوا، تطيح بالدولة وحليفها الإقليمي الأبرز، وتتيح بالتالي تنفيذ الحلم الانفصالي، وللمقارنة هم ذاتهم الذين ركضوا إلى دمشق طلباً للحوار حين أعلن ترامب انسحابه من سورية، ثم على جري العادة، ورباط التبعية الوثيق، عادوا للهجوم بعودته عن الانسحاب.

بيد أن ذلك كله قد لا يؤدي إلى حيث يريد “حزب الحرب”، ليس لدوافع أخلاقية مستجدّة في “رجل الصفقات” الذي يتربّع على عرش البيت الأبيض، بل لأنه مدرك، بعقلية التاجر، عدم قدرته على التحكّم بالأكلاف والنتائج والمدى والمدّة، ليس خوفاً على أمريكا، بل خشية على مستقبله السياسي الشخصي، وكان من اللافت في هذا السياق أن وزير خارجيته أكمل برنامج زيارته الدبلوماسية لموسكو رغم “عود ثقاب الفجيرة”، وهو عود كان يمكن لما هو “أرفع” منه أن يُتخذ ذريعة لمن يريد الحرب، فيما جوهر ما يريده “ترامب” هو التهويل بإيران لإبعاد صفة العدو عن “إسرائيل”، وتنفيذ “صفقة القرن” من جهة أولى، واستنزاف ما تبقى من أموال في خزائن ملوك الخليج من جهة ثانية، على نحو ما أفصح مؤخراً حين أعلن بصفاقة نادرة أنه اتصل بـ “سلمان”، وقال له: “أنت تملك مالاً كثيراً .. ادفع مقابل الحماية”!.

لكن، وسواء وقعت الحرب أم لم تقع، فإن العالم، نتيجة عوامل موضوعية وبنيوية عدة، يتخبّط في قلب فوضى دولية هائلة، لا تعدو “الظاهرة الترامبية” بصورتها البلطجية الفاضحة أن تكون “عارضاً مرضياً” لها، ولكنه “عارض” قد يقود الجميع إلى الهاوية نتيجة خطأ غير مقصود أو تهوّر غير محسوب، أو استدراج خبيث من طرف ما، ومع ذلك فإن قدرنا، في هذه المنطقة، أن نصمد ونواجه.. هذا مكلف بالتأكيد، لكن الخيارات الأخرى أكثر كلفة بكثير.

أحمد حسن