الشريط الإخباري

اللعب بالنار

جزم أوباما بأن “القيادة الأميركية هي الثابت الدائم في العالم المتقلب”، وقبلها بعدة أيام، ومن على منبر الأمم المتحدة، كان يجزم أيضاً بأن “العنف اليوم داخل المجتمعات المسلمة”، وقبل هاتين “الحقيقتين”، كانت هناك حقيقة موضوعية تقول: إن منتصري ما بعد انتهاء الحرب الباردة قرروا أن “حروب الحداثة أو الصراعات الجديدة”، يجب أن تكون حروباً “ذات ريعية اقتصادية مضمونة بمشاريع إعادة الإعمار”، كما يجب أن “تؤسس لجيل جديد من الصراعات ينتهي مباشرة إلى خلق الدول الفاشلة”، وبين سطور هذه “الحقائق” الثلاث، التي تمثل جوهر سياسة واشنطن اليوم، يمكن فهم أسرار كثيرة مما يحدث.

فبعد أحداث 11 أيلول، كان العدو الجديد، والضروري، لديمومة نهب أمريكا للعالم، بعد سقوط العدو الشيوعي، قد اكتسى وجهه “الإسلامي” نهائياً، وأصبح الاقتراح السابق لمراكز “الثينك تانك” بجعل الصراع المقبل داخل الإسلام ذاته، أي “يقتل المسلمون المسلمين الآخرين”، سياسة معتمدة لدى الإدارات الأمريكية المختلفة، وبالتالي فإن ظاهرة “داعش”، منذ ولادته الأولى وحتى اليوم، ومشاركة دول إسلامية، على ضآلة دورها، في “تحالف أوباما”، والاحتفاء الإعلامي الأمريكي المبالغ بذلك، ليسا سوى وليدين شرعيين لتزاوج تلك “الحقائق” الثلاث السابقة.

بيد أنه من المهم التأكيد هنا على أن المعركة، في جوهرها، ليست ضمن الإسلام أو ضده كدين بحد ذاته، كما يحاول البعض، من الجانبين، أن يصوّرها، بل هي، وبمصطلحات إسلامية، معركة على الماء والكلأ، والنفط أيضاً، وبكلمة أخرى معركة على المستقبل لا على الماضي، وإن كان هذا الأخير يستخدم لأهداف تكتيكية لصالح هذا الجانب أو ذاك.

بهذا الفهم، يصبح إعلان أوباما بالأمس عن سوء تقدير إدارته لمآل الأوضاع في سورية أو لقوة “داعش”، إعلاناً سيئ النية واستخفافاً جلياً بعقولنا وإدراكنا، نحن الذين نراقب الضربات الصورية المهذبة!.، وغير القاتلة لتحالفه على “داعش”، من جهة، والمدمرة للبنية التحتية السورية من جهة أخرى، كما نراقب استمرار دخول “دواعش” جدد وحركتهم الحرة في الشمال السوري تحت أنظار قادة تحالفه ذاته وبرعاية رسمية تركية، وبالرغم من وجود الفصل السابع الذي لطالما حلم به “العربي” ولكن ضد سورية فقط لا غير، وهذا يعني أن هدف التحالف على المدى الطويل، كما أعلن أحد أطرافه، هو مهاجمة سورية، وهو هدف يخدم المصالح المتعددة والمتباينة جزئياً لأطراف التحالف-اللاشرعي لمخالفته الواضحة لنص القرار 2170، بالرغم من إيمان بان كي مون، الموظف الكبير في وزارة الخارجية الأمريكية بمنصب أمين عام للأمم المتحدة، بشرعيته، فبعض أطراف التحالف، لا تريد سوى تبييض سجلها الجنائي، وإبعاد الخطر عن كراسيها المتهالكة، وبعضها مثل فرنسا لا يريد سوى الصورة التذكارية وبعض المال من تكلفة الحرب المزعومة، لكن ضرب سورية، يحقق لأوباما “الحقائق” الثلاث التي سلف ذكرها، بسبب موقع سورية ومكانتها السياسية العربية والإقليمية والدولية في قلب المحور الممانع، ونموذجها الإسلامي الوسطي، ما يعني ديمومة الاستنزاف والإرباك العربي والإقليمي والعالمي، حتى الحصول على ما يرضي المجمع الصناعي العسكري الحاكم والشركات المتعدية الجنسية، والعابرة والناهبة للقارات.

وبين حلم أوباما وحلفه بضرب سورية، وحقائق الواقع والمحاذير الموضوعية المتعددة التي تمنعه من ذلك، يعيش العالم زلزالاً حقيقياً تعزز تردداته حالة اللايقين عند الجميع، وهي حالة ستستمر لمرحلة طويلة مقبلة، في ظل سعي البعض لإعادة رسم الخرائط الجغرافية بحبر مذهبي، وهذا لعب بالنار، ستحترق فيه، كالعادة، أصابع كثيرة ممن يعتقدون أنفسهم من اللاعبين.

ومن أشعل النار، قد لا يكون هو بالضرورة من يستطيع إطفاءها، لكن، بالمحصلة، النار اشتعلت، وهي تحتاج وقوداً، ونحن، للأسف، وقودها، وسنبقى كذلك ما لم يسارع بعضنا إلى الاستفاقة والتنبه، “فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب”، وما فوق الركب أيضاً.

أحمد حسن