الشريط الإخباري

الأوساط الثقافية السورية: الشاعر سميح القاسم جسد الفعل المقاوم

دمشق-سانا

شهر ونيف مر على رحيل الشاعر سميح القاسم إلى العالم الآخر بعد أن ترك إرثا شعريا يتميز بقوة ديباجته ورقة ألفاظه حينا وقسوتها حينا آخر كما اتسمت أشعاره بالحضور الكامل لقضية فلسطين التي عاش تفاصيلها حتى أواخر أيامه.

المسيرة الإبداعية للشاعر الراحل جعلته قريبا من الأوساط الثقافية السورية ليكون ضيفا دائما في الأمسيات الشعرية بمختلف المحافظات وليكون صداقات عميقة مع عدد من أعلام الأدب والشعر في سورية.

ويشير الأديب عدنان كنفاني في تصريح لـ سانا إلى المرحلة الزمنية التي انطلق فيها القاسم هو وزملؤه محمود درويش وتوفيق زياد حيث كانوا في خندق نضالي واحد يجسدون الفعل المقاوم ضد الكيان الصهيوني إلى جانب التحريض في كل ما يكتبه من شعر وهذا ما تجلى في أغلب قصائده التي شملت شعر الشطرين والتفعيلة.

ويصف كنفاني إبداع القاسم بأنه فلسطيني الروح والفكر ونبض القلب والذي جعله من رجالات فلسطين العظماء فضلا عن مواقف كنفاني التي عمل خلالها على صيانة الأرض وذاكرة الوطن ونمى إبداعه في فلسطين متمسكا بكل قيم الحياة والأصالة ولفظ الخرافات والتمني والترجي ليبقى مع الكبرياء والشموخ والاصالة.

ويتحدث كنفاني عن مساهمة الشاعر الراحل في تأسيس جريدة العرب لتنطق بلسان الشرفاء كصوت أثير يكرس الذاكرة والحقيقة ويحرض على الصمود والتمسك بفلسطين الجغرافية أرضا وسماء وبحرا وبشرا لم يقبل ان ينفصل عنها لأنها عشقه الكبير أما رئيس تحرير مجلة المعرفة الدكتور علي القيم الذي التقى بالقاسم مرات عدة خلال زياراته المتعددة لسورية فإنه يعده شاعرا تميز بحسه الوطني وانتمائه القومي الذي تجلى في مختلف قصائده حيث شكل مع الشاعر محمود درويش ثنائيا وطنيا مقاوما له حضوره على مستوى العالم.

ويوضح القيم الأسلوب الشعري الذي نهجه القاسم بما يتلاءم مع كافة الشرائح الاجتماعية والثقافية ففي قصائده النموذج الشعري الذي يمكن أن تقرأه الشرائح المثقفة وفيه ما يتلاءم مع الشرائح البسيطة والمتوسطة ما جعله يدخل التاريخ من كل أبوابه ويصبح شاعرا موجودا على الألسن بجدارة فائقة.

ويسهب الباحث الدكتور نبيل طعمة مدير دار الشرق في رؤيته لشاعرية القاسم التي تميزت بالتكون الفكري الذي احتوى فلسطين والعروبة والتاريخ فاجتمع مع محمود درويش في قضية واحدة الأرض التي اغتصبها الصهاينة اضافة إلى انه تحداهم فوضعوه تحت الإقامة الجبرية ثم قاوم بالكلمة وناضل من أجل عودة
الفلسطينيين.

ويشير طعمة إلى نضال شاعرنا الراحل السياسي والذي تجلى في رفضه التجنيد ضمن لواء غولاني الصهيوني الذي أراد أن يضمه اليه في المثلث السوري الفلسطيني لأنه لا يمكن لأي قوة إلغاء هويته فاظهر إيمانا نادرا واعلن وطنية وقضية عادلة استمرت حتى آخر رمق وهو يقول للصهاينة..
كل سماء فوقكم جهنم وكل أرض تحتكم جهنم

ويتابع طعمة قائلا .. خمسون عاما مضت وسميح القاسم يناضل بصوته وجسده وفكره إلى آخر لحظة من حياته وتمكن بشعره ان يتوازى مع بدوي الجبل ونزار قباني وسليمان العيسى ويوسف الخطيب وغيرهم من الشعراء الذين كان التاريخ أمامهم مرحبا.

وتعود شهرة الشاعر القاسم كما يرى رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب بريف دمشق الدكتور الشاعر نزار بريك هنيدي إلى كونه واحدا من أهم شعراء المقاومة الذين لم يحملوا على عاتقهم قضيتهم الرئيسة فلسطين فحسب بل رفعوا رايات النضال القومي والانساني واجتهدوا ليكونوا الناطقين الرسميين باسم جميع
الشعوب والفئات المضطهدة.

ويشير هنيدي إلى أن ما قدمه الشاعر سميح القاسم على صعيد تحديث البنية الفنية الجمالية لقصيدته لم يلق دوما ما يستحقه من الدراسة بدءا من اشتغاله على البنية الدرامية والملحمية للقصيدة وتوظيف التراث العربي والانساني وصولا إلى اجتراحه أشكالا جديدة من الكتابة الشعرية كتلك التي أطلق عليها تسمية
السربيات التي على النقاد العرب الجادين اليوم أن يعملوا على دراسة هذه الإنجازات الفنية وتبيين دورها في حركة الحداثة الشعرية العربية التي حمل القاسم لواء ريادتها جنبا إلى جنب مع شعراء الحداثة الكبار الآخرين.

فرادة شعر القاسم تعتبرها الشاعرة مرام النسر تجربة فريدة في الأدب العربي بصفته واحدا من أهم شعراء المقاومة الذين قدموا للأمة العربية كثيرا من التضحيات غير آبهين بأي نتيجة يمكن ان تلحق بهم بعد نشرها إضافة إلى أن قصائده أصبحت تقرأ على نطاق واسع لحد باتت تتردد على الألسن في كل المحافل.

في حين قال الدكتور الشاعر سعيد العتيق إن وجود القاسم داخل الأرض المحتلة كان عبئا على شعره وعلى حضوره الاجتماعي لأن الاستيطان الصهيوني لا يمكن أن يتصالح مع الشعراء إلا إذا كانت هناك ثغرات يدخل منها أو يحاول أن يكبح جماحهم موضحا أن شعره تفاوت بين المبتكر الإبداعي كقصيدته التي رثى فيها محمود درويش وبين المباشرة البسيطة كقصيدة تقدموا.

محمد الخضر-ميس العاني